علي أبو الريش
لو خرج العقل من محنة التنظير، لو استطاع الإنسان أن يتحرر من فتنة التخندق عند طائفة أو عرق أو لون.. لأمكنه أن يسبح في المحيط من دون خوف ولا رعشة، لأن ما من خوف ينشأ إلا وراءه، ذات متحيزة، وعقل متقوقع حول نفسه.
فليس للبعد الاجتماعي أو الاقتصادي من أثر على التميز، دائماً هناك العقل المنغلق الذي أحاط نفسه بغشاء سميك، جعله لا يرى إلا نفسه، ولا يفكر إلا بنفسه، ولا يسعى لتحقيق أهداف إلا تلك الأهداف العتيقة والأضيق من ثقب إبرة.. فالإرهاب لن يتوقف طالما زحف التطرف إلى العمق، وبقي الإنسان أسير هذه النظرة الزائفة للعلاقة بين الإنسان والإنسان، وما تحتاجه البشرية هو التخلص من عقدة «الغيرة»، فعندما أصبح «أنا» وتصير «أنت» نكون قد فتحنا فوهة البركان، ونكون قد وسّعنا الهوة، وبالتالي لا يمكن أن نصنع عالماً سليماً مسالماً، يعيش سلاماً وأمناً وطمأنينة، لا يمكن أن تهنأ البشرية، وهي تعيش هاجس الفجوة الواسعة بين بني البشر.
قال سارتر الوجودي (إن الآخرين هم الجحيم)، لكننا لا نستطيع أن نعيش خارج هذا الجحيم، في هذه الجملة العدمية، لم يستطع سارتر بعد الخروج من وهم الحروب التي طحنت أوروبا، وذهب جراءها الملايين، لم يستطع سارتر أن يخرج من هذا الجحيم الفكري، ولو نظر هذا الفيلسوف الفرنسي الكبير إلى الفضاء الداخلي، إلى روح الإنسان، لأمكنه التراجع عن هذه النظرة التشاؤمية، فليس للآخرين من جحيم يقذفونه في وجهي ووجهك إذا لم يخرج هذا الجحيم من داخلنا.. فهذا العصاب القهري الذي تفجر في عقل سارتر نجده اليوم تتسع دائرته، ولم تقد دعوات السلام العالمي، ولا الهيئات ولا الجمعيات الداعية لذلك، إلى سلم العالم، لأن الإنسان لم يزل يبحث عن عدوه الخارجي، هرباً من ذاته العصابية.. كل ما في الأمر، نحن فقط بحاجة إلى ذات واعية، توصلنا إلى الخلاص الروحي من وهن العقل، وشوائبه وخرائبه، وخرافة الذين يعتنقون الحقد كوسيلة للطغيان على الآخر.. نحن بحاجة إلى قنينة حب، نغسل بها داخلنا، ونطهره من أدران ثقافات مريضة ومؤذية.