علي أبو الريش
تقع إذاعة القرآن الكريم من أبوظبي، موقع القلب من الجسد، ومكان الشجرة من التربة الخصبة، هذه الإذاعة، تخرج اليوم من المألوف ورتابة الأداء، لتدخل فضاء الانتقاء، وتقدم كل ما يشغل الناس، ويدور في أذهانهم، من قضايا ذات أبعاد اجتماعية مهمة.
ففي كل صباح، تشرق شمس هذه الإذاعة، الرائعة، محمولة على أوتار أصوات شباب من هذا الوطن، احترفوا الأداء الإعلامي، وتجذروا في العمق الاجتماعي، لينثروا عبير مشاعرهم، على المستمعين، ويصيروا جزءاً مهماً من صباحات الناس الذين ينتشرون من كل فج متوجهين إلى أماكن عملهم، ويتابعون الطرح الإذاعي الرزين، واللافت للنظر، وبشغف يشاركون ويشاطرون ويتقاسمون مع المذيعين، رغيف الأفكار، ويصبح التفاعل بين الجميع، مثل تداخل الأغصان في الشجرة الواحدة، مثل تواصل الماء بالماء، مثل تكامل التضاريس، مثل تنامي أحلام الناس، مثل تسامي الأفكار عندما تكون من مبعث عقول نيرة، هدفها الإضاءة، وتسليط الشموع باتجاه مفاصل المجتمع، وكل ما يحرك الأشجان في القلوب، وكل ما توشوشه الموجات للسواحل، وكل ما تسربه الطيور للأغصان، وكل ما تقوله القصائد لليل، وكل ما يقوله الليل للحالمين، بصباح مبتهج بأغاني العصافير وهديل الحمام.. هذه الإذاعة حقيقة تشد السامع للاستماع، لأنها تبدأ صباحها، بحوار القلب مع القلب، وتفتح النوافذ باكراً لأجل هواء نقي صيفي عفي، ولأجل صدور تستقبل النهار من غير بثور .. هذه الإذاعة، تدار بعقول شباب نهضوا بالكلمة، واستنهضوا الهمم، من أجل قراءة واضحة وعفوية، من دون رتوش أو خدوش، يمارسون فن الأداء والإلقاء، بفطرة الصحراء ونبرة النخلة، عندما تنشد لقاطفي الثمرات الجنية، يمارسون الحوارات مثلما تفعل الطيور والطيور، ومثلما تعانق الأرواح شيمة الأسْوَر في المعصم، ومثلما تطوق القلائد أعناقاًَ ونحوراً.. هذه الإذاعة تستحق أن يقال فيها ما تستحقه، لأنها تقدم لنا ما نستحقه، إذ تخرج من بين ركام وسائل إعلامية ملأت فضاءات الدنيا، ولتقدم كل ما يفيد، ويستعيد للإنسان توازنه ووزنه العقلي، وتملأ فراغات واسعة، خلفتها وسائل إعلام أخرى.. هذه الإذاعة في الصباح تخرج مثل فراشة ملونة بالفرح لتفتش عن أزهار الناس، وازدهار عقولهم، تبحث عن الأسئلة، وتفتح لعلامات الاستفهام مناطق واسعة، ليصبح المستمع هو المفكر وهو الفكرة وهو القلم والمسطرة هو المساحة المؤطرة بالشفافية وانشراح العطاء..
هذه الإذاعة نقطة البداية وانطلاقة صباحاتنا التي تحملنا على أجنحة أثير أصف من عيون الطير، وأرق من أوراق اللوز، وأحنُ من غيمة الشتاء، وأثرى من نعيم الأنهار، وأجمل من لحظ الحسان الطيبات.