علي أبو الريش
في معرض الكتاب في أبوظبي يحضر الكتاب وتحضر الوجوه، تحضر السعادة وتحضر الكلمات على شفاه عشاق الكلمة كأنها الورود تعانق وجه النهار بعطر الشفافية وعبق الانتماء إلى كون أشجاره، أوراقا من وعي التاريخ وأعضائه هي هذه السواعد، متأبطة النون والقلم، ذاهبة في السرد كما تسرد الأحلام قصة أول النهار وآخر الإغماضة.
في معرض الكتاب تجد الأصدقاء وتجد القراء وتجد العشاق يتلون عناوين الكتب كما تتلون الفراشات ألوان الزهر.. في معرض الكتاب هناك رجال مجهولون أثثوا المكان بالأحلام الوردية وهيؤوا المعرض لكي يكون رواقاً بحجم أمنيات الوطن وبسعة صدور أهله وبلون الوجوه المضاءة بالفرح.
في المعرض رجال سهروا وبذلوا لأجل أن يستريح الكتاب من عناء السفر ولكي يجد القارئ الأريكة والأيك يسترخي ويغرد، يقرأ ويسرد، يتأمل ويبدد ضجيج الأيام ويقف خاشعاً أمام خير جليس.. في معرض الكتاب يبدو المكان وكأنه بحر أبحاثه تسير على قدم وساق، تسير في اشتياق وعيونها معلقة بين أرفف وضفاف.. في معرض الكتاب تجد نفسك أمام محفل كوني يغير لون الزمن وشكل الزمن ورائحة الزمن ووجه الزمن تنسى أشياء كثيرة، طوقتك بالتعب، تنسى طرقات كثيرة وضيعت فيك، ما قالته الكتب، في المعرض الكون يتشكل من جديد والسماء مضاءة بمصابيح تبدو أكبر من حجم النجوم وأكثر بريقاً من ضوء الشمس وأكثر إمطاراً من حزن السماء.. في المعرض أشياء كثيرة تغيب عن ذهنك لأنها تصغر كثيراً في حضرة الكتاب.. وفي شقشقة الصفحات وهي تزف هفهفتها كأجنحة الطير، كشيء طالع من آتون النهار ليحكي قصة ليالي العرب وأزمنة العرب وحكايات العرب ومصائب وخرائب العرب.
في المعرض تقرأ على الوجوه كلمات غير التي تقرأها وأنت تسير في الشارع المزدحم بالعابسين والمتهورين والمهرولين.. في المعرض كأنك تمشي على سجادة مخملها هذا الدفء، هذا السكون المتحرك داخل الأروقة، هذا التدفق باتجاه الواجهات المعطرة بالحبر، المزدانة بوجوه البائعين والناشرين، المستبشرة خيراً بجيل لم يهجر الكتاب حتى وإن بلغ الإنترنت ووسائله ووسائطه المتعددة مبلغ الدهشة، في المعرض الأطفال هم الأجمل عندما يتهجون عناوين الكتب ثم يمسكون بأيدي أوليائهم ليقولوا.. هذا الكتاب أريده.. في المعرض عشاق ونساك يتأملون المشهد بعيون يشع منها بريق ذكريات بعيدة.