علي أبو الريش
بعد تسعة وسبعين عاماً تلف المنامة طائرها الذي غرد وتنهد وبدد غمامة الحزن بقافية وبحر.. بعد العقود الثمانية يكتفي عبدالرحمن رفيع بالمسافة التي قطعها شعراً، ويرخى اللجام مستعيناً بطاقة الغياب، علها تكون في الحضور إضاءة على مسيرة زخرت ببحر من العطاء الجزيل.
عبدالرحمن رفيع يغادر المنامة باتجاه المنامة عند حافة الغياب الرهيب، ويعلن للشعر أنه في الغياب لم يزل يرتل أبياته الفصحى، والشعبية، بشفة تجمدت عندها الكلمة لكن الصورة تبقى حية مثل ظل نورس يهم بخطف القطرات من عجين الموجة البيضاء.. عبدالرحمن رفيع يتكلم صمتاً ويرخى سبيل الكلام ما بين القرطاس والنغم، يحكي للبحر عن منامته التي مهدت طريق الشعر على شفتيه لتصبح الفصحى حديث الذكريات لحياة مجتمع إنساني مليء بالكبوات، ثري بمشاعر التعلق بالأرض.
عبدالرحمن رفيع بالكلمة الكاريكاتيرية فتح شرنقات الابتسامة، وأعطى لأوراق القلب أن تهفهف على ما يعتلج وما يختلج وما يضور الوجدان عندما تجف السواحل ولا يبقى للنوارس سوى ملح الأرض.
عبدالرحمن رفيع غادر المنامة على متن حلم لم تكتمل أجنحته، ليهبط الشاعر الكبير عند عراء الأسئلة، ثم يتوقف.. بعد أن توقف القلب وسلم مفاتيح العربة لسواه من بني الشعر والذين لازالوا ينحتون الكلمة على مسافة قريبة من القلب عند حافة الروح، ويغدقون على القلم حبر الكلمات الشائكة لعل وعسى تصطاد الكلمة صورة مثل، لواقع أكثر بهجة، لأحلام أكثر نصوعاً.
عبدالرحمن رفيع.. تجاوز حدود اليقظة إلى الموت، جازف من أجل كلمة لا تدفن مع صاحبها، بل تبقى جلية جليلة طلية تطل على الوجوه بأحرف مثل بياض الموجة فنجح، نعم نجح في السديد وتحقيق المثال في الشعر، عندما يكون الشعر مثل سم الخياط، والقماشة واقعاً يستحق الحُلُم يستحق أن يبلى بلاء حسناً، يستحق أن تأتيه القصيدة مثل موجة تغسل سواحله من بقايا محار وزعانف جففها اليباب.. عبدالرحمن رفيع أبدعت فأمتعت وأيقظت زمناً كان الشعر فيه ناقوساً وناموساً وحاسة سادسة تحرك مكامن الأنا، وتبعث برسائل إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي لتقول له، إن الشعر بخير طالما بقيت القامات مثل جذوع النخل.