علي أبو الريش
هل تستطيع الإنسانية أن تدع السماء زرقاء والقلوب بيضاء؟ هذا ما يتمناه كل حر شريف عفيف نظيف، رهيف الحس والرأس.. فالسماء لا تُظهر نجومها إلا إذا انقشع غبار السعار البشري، والقلوب لا تستطيع أن تبرز نصوعها إلا إذا تخلصت البشرية من الأفكار المسبقة، والضغائن المحدقة.. تقول الحكمة الإنسانية إن أحد الحكماء كان يدعي أنه الرجل العظيم الذي تهتز له الجهات الأربع، وكان قد خطر على بال هذا الحكيم أن يزور صديقاً في جزيرة مجاورة، فعبر النهر ولما وصل إلى بيت الصديق فلم يجده فكتب على قصاصة ورقية عبارة «كيف أنا الحكيم العظيم الذي تهتز له الجهات الأربع» آتي إليك ولم أجدك فألصقها على باب منزل الصديق وقفل عائداً إلى بيته، ولما رجع الصديق إلى بيته وجد هذه العبارة الملصقة على بابه، فكتب تحت العبارة جملة قائلاً: «كل هذا الكلام لا يساوي صفراً»، ثم أخذها وذهب إلى بيت الصديق وألصقها على باب منزله.. ولما رآها الحكيم اشتط به الغيظ وذهب بالقصاصة إلى حيث يسكن الصديق، ولما واجهه قال غاضباً: أأنت الذي تقول عني هكذا.. فابتسم الصديق وأردف قائلاً: إذا كان الصفر يغضبك هكذا فأنت لست حكيماً ولا تهتز لك حتى جناح بعوضة.
تقهقر الحكيم ولم ينبس ببنت شفة.. هذا الموقف يوضح لنا نحن البشر أن الشطط والأحكام المتسرعة والخداع التي يعيشها بعض البشر ونظرتهم إلى أنفسهم هي التي تجعل من علاقتهم بالآخر متجهمة متعالية فاقدة البصيرة وبالتالي تنشأ الأحقاد وتتفشى الضغائن وتشتعل أخشاب الكراهية لأنه عندما تستبد النفس يغيب الوعي ولا يرى الإنسان إلا نفسه، لا يرى إلا ما يفكر فيه ويعتقده.. أخطاء وخطايا تتورم فقاعاتها في هذا العالم نتيجة هذه «الأنا» المزدحمة بالأنانية المتورمة بقيح الذات المتقوقعة.. ونحن بحاجة اليوم إلى فك الارتباط ما بين التأزم والأنا ليحيا البشر في سلام ووئام وتتخلص الكرة الأرضية من كتل الألم وتحرر من البؤس والشحناء وتنفك من عمى السوداويين المتشبثين بأفكار التدمير والخراب.
لونوا السماء بالأزرق، لونوا القلوب بالأبيض.. تصحوا.