علي أبو الريش
المشهد في اليمن وليبيا يعيد إلى الذاكرة حروب الطوائف في الأندلس، ويؤكد أنه كلما ارتفعت حرارة الطائفية والعرقية واللونية، ذابت الثلوج من تحت أقدام من يعيشون الأمان في أوطانهم، وتزحلقوا وتفرقوا، وتمزقوا وتحرقوا، وباتوا طرائق قدداً، تحيق بهم الأهوال، وتضرب أعناقهم معاول الهدم والتدمير التي يرفعها دعاة التفرق والتمزق ضمن ذرائع متعددة وحجج لا تعد ولا تحصى، والدين لأنه ساكن في الوجدان والأشجان يستخدمه المهرولون باتجاه التزوير والتحوير استخداماً يحط من قيمة المقدس في النفوس، وينزل من قدر الإنسان، بحيث لا حصانة لدين، ولا أمانة لإنسان مادام الأدعياء يملكون من أدوات التحريف والتخريف والتجريف والتزييف والخسف والنسف بمعتقدات الناس وما جبلوا عليه من أديان سماوية، أنزلت للناس هداية وتعظيماً.
المشهد في اليمن وليبيا يشيع البؤس واليأس في النفوس، لأن من يحملون السلاح لا يرفعونه في وجه مستعمر، وإنما يشهرونه في وجه إخوة لهم في الدين والدم، وكل يدعي الحقيقة، وكل يقول أنا ابن جلا وطلاع الثنايا، وكل يقول هذه الأرض أرضي أنا وأبي ضحى هنا، ويلغي الآخر، ويقصيه وإن شاء أعدمه في وضح النهار دون إحساس بتأنيب ضمير كونه قتل إنساناً من دون قضية، وكونه أهدر دماً وجز عنقاً لإنسان كرمه الله، وجعله وريثه على الأرض، كل هذا يحصل في البلدين والجثث تتناثر في الشوارع وكل يتأبط خنجره في مئزره، ويتباهى بقتل أكبر عدد ممكن من البشر والأرض اليمنية كما هي الليبية تئن من ثقل الدماء وضجيج أصوات المتألمين من جروح باتت مفتوحة مثلما فتح في زمن ما سد مأرب. نحزن كثيراً لضياع مقدرات بلدين عربيين في فصم صراعات غوغائية همجية لا ناقة للإنسان البريء فيها ولا جمل، ولكنه شاء القدر أن يقع تحت رحى من ظلموا وأظلموا وتمادوا في الظلام والضلال حتى بدا للإنسان البسيط من العسير تفادي التفجيرات العشوائية ولا الحرائق الفوضوية، وكل ما نريد أن نقوله ألا يوجد في هذين البلدين رجل عاقل رشيد يأخذ بزمام المرحلة ويتخذ قراره بإعلان الرأي الصائب الذي يحقن الدماء ويوقف هدير البنادق، كما أعلن روسو حين وضع العقد الاجتماعي لأوروبا لإيقاف حروب دامت عقوداً من الزمن.. نتمنى أن يخرج من بين ظهراني الشعبين الشقيقين، ومن تحت رماد الحرائق ناطق رسمي باسم الحقيقة يقول لكل من حيد العقل، العقل زينة وخزينة، ولابد أن يؤخذ به رغم كل الاحتقانات، ولابد للنفس الأمارة أن توقف رنينها المغناطيسي وتدع مجالاً لمحاسبة الضمير، لأن الحقد لا يورث إلا الحقد وكذب المهاترون الذين يخدعون أنفسهم حين يظنون أن حبل الكذب طويل، كذب المهرطقون الذين يعتقدون أن الطائفة فوق الوطن وفوق أكتاف الناس.