علي أبو الريش
أصبحت جدران بيوت الناس، وأعمدة الكهرباء، حبال غسيل للشركات التجارية، التي باتت تعلق ملصقاتها الإعلانية.
في كل مكان، وموقع دون مراعاة للصورة الجمالية للمدن أو حرمة البيوت.
بعض هذه الملصقات، ينفك عقالها، فتصير قصاصات طائرة تلاحقها الريح، وقد قضت أشعة الشمس اللاهبة على ألوانها وصورها وكتابتها.
نعرف أن نشر الإعلانات يتم بموافقة الرقابة والجهة الناشرة، وبمقابل مادي، وقد تكون هذه الإعلانات مسيئة وسيئة، لكنها تتداول وتنشر حبرها في كل بقعة دون حسيب أو رقيب، ولا أعتقد أن البلديات لا تعلم بذلك، لكنها تتساهل في الأمر، وتتقاتل، وتدع الأيدي العابثة، تفعل ما تشاء، متى تشاء، وما يعنينا هذا هو أن الانفلات في كل شيء، يؤدي إلى طغيان الفوضى وإلى التشويه والتجاوز، وقد يقود هذا التصرف إلى خدش الحياء، والإضرار بالأخلاق العامة، وبعض مندوبي الإعلانات في الشركات يتجاوزون حدود الأدب، وما أن يجدوا باباً مفتوحاً، حتى يتسربوا من خلاله ويتوغلوا، وينفذوا ما أمروا أن يفعلوا، ثم يولون الأدبار، متمخطرين بلا وجل أو خجل، وعندما يفاجأون وبمحض الصدفة بخروج أصحاب البيوت لمساءلتهم يهزون الرؤوس، مثل مراوح صيفية، ويقفلون راجعين وكأن شيئاً لم يحدث، هذا سلوك غير حضاري، ويخالف القوانين والأعراف، ويؤذي أمن البيوت المطمئنة، وقد يحدث من وراء هذه الملصقات ما هو مشين ومعيب، لأن من يتجرأ ويدخل بيوت الناس من دون إذن، قد يتطاول وقد يفعل ما لا يقع في الحسبان، فالنفس أمّارة، والاندفاع لتأدية مهام الملصقات قد يثير رغبة هؤلاء الأشخاص، وأغلبهم عزاب، إلى تجاوز المهمة الأولى إلى مهام أصعب وأخطر وأكثر فداحة بالنسبة للأسر.
ما نتمناه أن تضع البلديات والجهات الأخرى يدها على سلوكيات شركات الإعلانات، والتي أصبحت اليوم منتشرة كانتشار الوباء في الجسد العليل، لتضع حداً لهذه التصرفات، ولتمنع التمادي والمبالغات، لأن حرمة البيوت ونظافة المدن أهم من الإعلان وما يجنيه ويديره لأصحاب الشركات.
نتمنى أن يتوقف هذا السيل الجارف وأن توضع حدود وسدود، تضع الأمور في نصابها الصحيح، وألا تترك المسائل لمن يريد أن ينشر غسيله على حبال الآخرين، وإذا كان من حق هذه الشركات الإعلان لإعلام الناس عما لديها من سلع، فأيضاً من حق البلد على هؤلاء أن يحافظوا على رونقها، وأمن مواطنيها وقاطنيها، فالعشوائية قد ينتج عنها، انحرافات تجرف أخلاق من يقدم بإلصاق هذه الوشوم الشائهة، وتحيق بمشاعر الناس، وتجعل البيوت شوارع عامة مفتوحة لكل من يريد أن يمر من خلالها، وكل من يود أن يمارس عاداته السيئة والمزعجة.
نتمنى والأمنيات كثر، وأولها وأهمها احترام قيم البلد الذي أكرم الجميع وسخر جل إمكانياته لإنجاح مشاريع الطموحين، ومساندتهم في تطلعاتهم.