علي أبو الريش
أصبحت الإشاعة، كحفلات الزار، يخوض فيها المشعوذون، والفوضويون والعبثيون، وبعض الإشاعات مفزعة، وقد تفتك بأرواح، وتطيح ضمائر، ولكن أصحابها مستمرون في اللعب، والصخب، مستمرون في صناعة الأكاذيب، تعبيراً عن مشاعرهم المتجمدة، وقلوبهم التي فارقت الصدق، منذ أن أصبحت وسائل التواصل الجماهيري لعبة من لا هم له سوى إزعاج الناس وتكبيل نفوسهم بقيود هذا الهراء الذي بات يعشش في عقول المخبولين..
ففي كل صباح، يستفتح هؤلاء بخبر كاذب يصيب به أناساً أبرياء يفاجأون بأخبار أشبه بالعواصف التي تنسف وتخسف بطمأنينتهم في كل صباح نسمع عن وفاة فنان أو كاتب أو شخص ما، نسمع هذه الأخبار ولا نصدقها، ولكن النفس البشرية تظل محاطة بالأسئلة أمام الحوادث المجهولة الهوية، في كل صباح يغرقنا العبثيون بصدمات تفجر الوجدان، وتحطم المشاعر وتجعلنا نقول دوماً إن هذه الأجهزة الفتاكة سلاح ذو حدين، فإما أن تهدم وإما أن تسعد، والجهلة اختاروا طريق الهدم، واعتبار النكتة أوالأخبار الهزلية أو الإشاعات المرعبة طريقاً للتسلية ووسيلة لقضاء وقت الفراغ وهو وسيع بسعة الجهل في رؤوسهم..
ما العمل؟ .. لا سبيل للخلاص من هذه الآفة، لا حل لهذه المعضلة، المسألة مسألة ثقافة وتربية وأخلاق، وطالما فقد البعض أخلاقهم فإنهم لن يتورعوا من بث كل ما يسيء للناس وكل ما يدمر أحوالهم .. فنحن أمام ظاهرة اجتماعية مخيفة تعبر عن شيم الناس وقيمهم فإذا ما انتفت الأخلاق باع الإنسان ضميره، وأصبح مكمناً للفساد الأخلاقي، ومحطة تؤول إليها كل نفايات الكون، ومساحة واسعة، لهطول الأمطار الحمضية..
هذه ظاهرة غريبة على مجتمعاتنا، لكنها أصبحت جزءاً من واقع ولن تزاح عن كاهل مجتمعاتنا إلا بتوفر الظروف الأسرية والتعليمية والثقافية التي يجب أن تصب كل جهودها لكبح جماح المهرولين باتجاه تغييب الحقائق وطمس الواقع تحت ركام من الأكاذيب، والإشاعات المريضة والمغرضة .. لا بد من انسجام دوائر ثقافية كثيرة، وتوحدها في وجه هذا الظلام، وطرد خفافيشه، لتنقية سماواتنا من هذا الغش الثقافي واستعادة القيم المفقودة .. نقول لا بد ونحن نستطيع، لو آمنا أن ما يجري في هذه الوسائل السحرية، أمر مريب وغريب لا بد من التخلص منه.