علي أبو الريش
اليمن.. البلد الذي صار زجاجة مهشمة، وقصاصات أوراق، تبحث عن حبة رمل، تحط على سطحها.. اليمن، في حنينه إلى قصر بلقيس، ومعجزة سليمان، والهدهد الذي مر من هناك، فرأى ما رأى، فإذا بالخيال الجامح، يسخط ويشتط، وينحط، ويهبط في حضيض الفكرة الجهنمية، التي جاءت بالزمرة المزمجرة، فأيقظت ما تحت الرماد، وما بين صوف السجاد، ولا أحد سواك أيها اليمني العتيد، يخض ويرض، ويفض جمعه، ويذهب إلى الشارع، مستنجداً من مستبد ومستعبد، وربما لم يصل الصوت، ربما لم تر البصائر ما يجري في نخاع العظم، وما يلتطم خلف كواليس مدلهمة، وأحياناً متفاقمة، متعاظمة متلاطمة.. الله يا أيها اليمن، كيف لسبأ، تخلع ملابس الحشمة، وتتعرى في الطريق كي يأتي العاثر والداثر، ليقطف حبات القهوة، ويدلق الزمزمية، على الرمل الجاف، ثم يقبض على تلابيب اليمني لأنه ليس حوثياً، وكل جريمته أنه أحب اليمن، من جنوبه حتى شماله، ومن شرقه حتى غربه، ولكن في زمن التطواف حول القبيلة والرذيلة، لا يطفو على السطح سوى زبد الحمقى، والعصبيين، والمتزمتين، وصناع الشقاق والنفاق والاحتراق، والافتراق، والاختراق، والانفلاق، والانطباق على حطب النار.
اليمن.. وحدك في عدن أو صنعاء، في صعدة أو تعز، تقرأ الطالع، وتطالع ماذا بعد المغيب غير الغد الرهيب، ماذا غير التثريب والتسريب، والتخريب والتعذيب، فالحوثي صناعة متقنة بأيدٍ خفية، ما توانت عن إسدال الستر على التاريخ، ليبدأ تاريخ جديد، تطمس فيه الهوية، ولا يبرز غير رأس أصغر من شق تمرة، إنه الطائفي الذي تجاوز الوطن إلى حد التصغير، لا يراه إلا المجهر الفيزيائي، القادم من خارج الحدود.. اليمن، كما هي الصومال، وليبيا، قارات جليدية، ذاب عنها الجليد، بفعل ثقب الأوراق، السياسي والأيديولوجي، لتصبح مجرد أنهار ملوثة بالأشعة القاتلة، ولا يدفع الثمن إلا أهل اليمن.