علي أبو الريش
كل شيء لا يجد من مقومات الإبداع شيئاً، أطلق عليه صفة المفكر أو المحلل.. فاليوم تزدحم القارة العربية بالمفكرين والمحللين الذين يجدون لكل داء دواء، وهؤلاء يعيدوننا إلى زمن المداوين بالأعشاب وكذلك المشعوذ الذي كان يحمل في جعبته كل العلاجات الناجعة في إزالة الأمراض النفسية.. والحقيقة لو صحت هذه الأرقام من المفكرين والمحللين في الوطن العربي الذين لا يتركون شاردة ولا واردة إلا ووضعوا الإصبع عليها وحللوها وفسروها وأولوها وأخضعوها لمجاهر معاملهم التحليلية، أقول لو صحت هذه الأرقام لأصبح العالم العربي بألف ألف خير، ولتحولت البلاد العربية من أقصاها إلى أقصاها إلى جنان خالدة ولانتهت الحروب وانتحر الفقر ومات المرض وذهب الجهل إلى الجحيم.
لو صحت هذه الأرقام لتخلص العالم العربي من الأحزاب والطوائف والملل والهرطقة والزندقة والفرقعة التي تثيرها أطراف ضد أطراف، وتفجرها جهات ضد جهات.. لو صحت هذه الأرقام، لاستطاع هؤلاء المحللون أن يضعوا حداً لهذا السيل الجارف من الانحرافات السياسية والاقتصادية التي تبعتها مجازر لا حد لها وحروب طاحنة وهزائم عربية مفجعة أمام تمدد دول إقليمية كنا نعدها متخلفة إلى جانب القدرات الاقتصادية والبشرية العربية.
المفكرون المفلسون يملأون الأرض العربية مثل الغبار التي تثيره الرياح العاصفة، المفكرون يجوبون المحطات الفضائية ويبعثون إلى الفضاء العربي زخات من الزبد والرغاء والثقاء والنص الدائم، لو كان العرب.. المفكرون الفارغون اتخذوا من التحليل وسيلة لتحويل أزماتهم الذاتية إلى أزمات قومية وأحياناً عالمية كونية.. المفكرون لا يرحمون أحداً ولا يكفون عن إمطارنا بغزير الأفكار والأخبار التي تناقض بعضها خلال الدقيقة الواحدة.. ولا أشك أبداً من أن المحطات الفضائية بحاجة إلى هؤلاء لأن معظمها قائم في الأساس على النقيض ونقيض النقيض، قائم على اللعب في المياه العكرة وتعكيرها أكثر فأكثر، بحكم أنها شعوب عاطفية تؤخذ كثيراً بالألوان الفاقعة، ومع الزمن سوف يزداد عدد المفكرين لازدياد مساحة المفكرين في المنطقة العربية لأسباب أهمها عوامل التعرية الثقافية.. والاحتقان وعدم الاتزان في التعاطي مع الواقع الإنساني.