علي أبو الريش
منذ البدء والإنسانية تعاني مأزق العقل المتهور، وتواجه مأساتها بالكبت والنسيان، وعدم الكشف عن الخلايا النفسية الضالعة في الإجرام.. يولد الإنسان بريئاً عفوياً، حتى جاءت النظريات والفلسفات، فأغرقت الإنسان بحزمة نارية مفزعة، جعلته يتخلى عن إنسانيته، ويتحول إلى كائن متوحش.
سئل إنيشتاين عن حرب عالمية ثالثة، وماذا ستتكبد البشرية من خسائر في الأرواح، فقال في إجابة صارمة: «لا أستطيع الإجابة عن خسائر حرب ثالثة، ولكنني أستطيع أن أجيب عن الحرب الرابعة، فقيل له كيف؟ فقال: لأن في الحرب العالمية الرابعة لن يكون هناك بشر على الأرض».
هذه الإجابة المغلفة بالغموض الواضح تدل على أن الإنسانية، وتحت وطأة المعتقدات العدوانية، مهددة بالانقراض، الأمر الذي يستدعي إجابة شافية ومباشرة وفورية من كل إنسان ذي عقل وضمير على ما يدور في العالم من ضغائن وفحشاء الحقد ومنكر الكراهية، حيث يذهب الأبرياء ضحية هذا الاختزال المسف لعمر البشرية، وهذا الانتهاك السافر لدم الإنسان من دون ذنب أو جريرة.
فالثقافة أولاً، ومن يتدفقون حقداً إنما هم تشربوا من ثقافة العدوان، وأسرفوا في الخداع البصري والذهني، وغرفوا من حثالة ثقافية، يقدمها لهم محترفون في صناعة الموت، متمرسون على تلوين الأشياء بالسواد، ولكن في المقابل ينبغي على كل مثقف وكل صاحب قرار أن يتصدى لمثل هذه الانحرافات الحادة، بكل حزم وجزم وصرامة، وألا تترك الأمور بيد المهرولين باتجاه الإسفاف، الذاهبين بالمعاني الجميلة نحو مستنقعات قذرة.
نحن بحاجة إلى ثقافة تعيد التوازن للإنسانية، وتخرجها من شراك أعداء الحياة .. نحن بحاجة إلى ثقافة تنويرية لا تُفْرط ولا تُفَرِط.