علي أبو الريش
تتلاشى الحضارات لسببين.. أولها عندما تتوسع الحضارة جغرافياً على حساب الآخر.. والسبب الثاني عندما ينتهي الابتكار.. فلا توجد حضارة في التاريخ استطاعت أن تصمد على مر الأزمان عندما مدت الأذرع ووسعت من الخطوات قافزة على تضاريس الآخر بغية التورم والضخم والأمثلة كثيرة، بدءاً من الحضارات الشرقية في بابل وانتهاء بالإغريق والرومان.
أما الابتكار النتيجة القصوى لنشوء حضارة قوية وناهضة تقدم للعالم منجزاً ببريق النجوم وشموخ الجبال، وإذا ما جف معين الابتكار تراجعت الحضارة وانكمشت وتقلصت وذبلت أوراق أشجارها وجفت وديانها وعجفت نخيلها وصارت الأمة في ذيل الأمم عالة بعاهة مستديمة.. الابتكار وحده الصنارة الحادة التي تصيد أسماك الحياة وتقدمها للعالم حية طازجة ناضجة.. الابتكار وحده مجهر البوح الذي يختزل المسافات ليرى الإنسان ما يبعد عنه بمسافات فيجعله قريباً ما بين الرمش والرمش.. الابتكار وحده الكتاب الذي يدلك على الجملة الفعلية الصحيحة فترفع الفاعل وتنصب المفعول به.. الابتكار ملكة الأذكياء والمتفردين في صياغة متطلبات الحياة واحتياجات المستقبل.. الابتكار نقطة الارتكاز في الدائرة، ومنها ينطلق الفكر إلى مخابئ المعرفة ليضع هناك مناديل العرق وينشف ما بدا من ملح البذل والجهد.
الابتكار كلمة السر التي أطلقت مفاتيحها الإمارات وسارت على الدرب ترنو إلى الفضاء متحدية الصعاب والطاقات البشرية تنفجر كينابيع الماء العذب لتسقي حقول المجتمع في مختلف الميادين والأصعدة.. الابتكار هو الجواد الذي على صهوته تبنى أمجاد الناس وتشيد الصروح وتنشأ قلاع النهضة وعمرانها.. الابتكار، اللقطة السحرية لدى النابغين والمبدعين والبالغين بلوغ الشمس في السماء ونصوع النجم في الفضاء ومن لا يملك قدرة الابتكار يفقد خطه في السفر إلى مجالات الزمن ويخسر رهان الحياة ويصبح مصير حضارته كأعجاز نخل خاوية.
الابتكار هو بحر لا يهدي أسماكاً للمتخاذلين والخائفين والمترددين والمتكاسلين والمستندين على جدران إرادة ضعيفة مضعضعة متهاوية.. الابتكار سر تقدم الأمم ورقيها وأسباب بقائها.. الابتكار ديدن الإمارات وتعويذتها وحرزها هو سر تقدمها وتفوقها وتفردها وامتيازها.