علي أبو الريش
سألني صديق، عن أخطر أنواع العقارب.. فقلت لا أدري.. فأجاب قائلاً: إنها عقارب الزمن.. الزمن الذي يحيطنا ويطوقنا أحياناً بقلائد وأحياناً بمكائد.. فعقاربه عندما تدور حول شغاف القلب المستريح تحت خميلة اللحظات السعيدة، فإنها تكون سريعة كالرياح، تجتث عروق الأشجار المورقة في وجداننا، تعصف وتنسف وتخسف، ولا تدع للقلب فرصة، كي يقتنص الفرحة من غايات الأيام السعيدة.
ونفس العقارب هذه، عندما تمر بلحظات الحزن والتعاسة، فإنها تمضي ببطء، كأنها سكين القاتل السادس، المتلذذ بتعذيب ضحيته.. فالزمن له عقارب حادة، وأخرى غليظة، وكلاهما تمارسان حد الإمضاء على عنق من يعشق الحياة ويريدها بستاناً مزروعاً بوردة الفرح، يجاهد المرء كي يتخلص من الزمن، ليعيش في فراغه غير المحدد لثوان أو دقائق أو ساعات، ولكن كيف، والأعمار مبنية من سعف ثلاثي الزمن الرهيب الماضي والحاضر والمستقبل، فيا ترى هل تصدق نبوءة اللازمنيين الذين ينادون ويصرخون بصوت مبحوح، مطالبين البشر بأن يعيشوا اللحظة الراهنة، متخلصين من رفات الماضي، ونعش المستقبل، كي ينجوا من خوف الماضي وقلق الغد.. الماضي مليء بذكرياته الحزينة، محشو بإسفنجات، امتصت روائح ومياه ضحلة، والمستقبل يطل علينا بمجهوله المريب الغريب، يطل كأنه السراب الأذلي لا يحمل ماء، وإنما يخفي خلف هالته الرمادية أرضاً يباباً.
زمنين، مخيفين، مرجفين، عنيفين، يغتالان سعادة الإنسان بسكين عقارب متوحشة، تسطو على القلب فتنتزع السعادة، فأما أن تجري بسرعة البرق، لتخطف لحظة باهرة، أو أنها تتمشى ببطء كيف توقف الزمن عند لحظة مخيفة وثقيلة خيالها الإنسان كأنها الجبال عندما تهبط على جسد بيض فتحيله إلى كيان مضعضع، مهشم، محطم، لا حيلة له غير أنه يسكن بخضوع وهوان لعل وعسى تنجلي ساعة البطش الزمني.. عقارب الزمن هي ليست عقارب صحراء ولا عقارب غابة موغلة في القدم، بل هي عقارب من صنع الإنسان، الإنسان الذي يصنع خوفه من المجهول، وحزنه على ما مضى، وتوخيه الحذر من الاقتراب من اللحظة الآنية، اللحظة التي يرسم فيها صورة مستعجلة لوجهه ثم يتجاوز ذلك، وكأنه أرنب جبان هارب من وحش كاسر.. عقارب الزمن، عقارب ليس لها لون ولا حجم، ولا رائحة، هي عقارب بحجم القلب المتضخم، بالخوف من الأشياء، والمتخيل، للحظة تأتي من خارج الزمن، لتأخذه إلى خارج العمر.