إعمار ليبيا والعقبات الماثلة

إعمار ليبيا والعقبات الماثلة

إعمار ليبيا والعقبات الماثلة

 صوت الإمارات -

إعمار ليبيا والعقبات الماثلة

بقلم: جبريل العبيدي

ليبيا التي عانت من العشرية السوداء بعد 2011، وإسقاط الدولة الليبية بقرار أممي زعم حماية المدنيين في حين تركهم لسكاكين «داعش» بمجرد إسقاط الدولة وإبادة الجيش الليبي، تشهد اليوم نهضة إعمار كبيرة بعد عشرية الحروب والتهجير والنزوح. نهضة عمرانية واسعة وكبيرة جداً لا يمكن القفز عليها وتجاهلها ونحن نرى عشرات الجسور والكباري الضخمة والمدارس، وإعمار الجامعات المهدمة جراء الحروب، وإعمار المساجد والطرقات، وتشييد المستشفيات والمشاريع الإسكانية والأبراج، ولعل في زيارة كبار المستثمرين مثل شركة «إعمار» الإماراتية، منشئة برج خليفة في دبي، وتوقيع عقد مشروع بنغازي الجديدة «داون تاون» ومنطقة المريسة الحرة، وهي ستكون أضخم ميناء تجاري ومنطقة حرة في شمال أفريقيا، لهو دليل على جدية الإعمار في ليبيا وبنغازي تحديداً، واطمئنان الشركات الكبرى والعالمية للوضع الأمني المستقر في بنغازي وما جاورها ومناطق سيطرة الجيش الليبي، حيث فرض الأمن والأمان.

فليبيا من إعمار الاستيطان الفاشي الإيطالي إلى الإعمار الوطني، شهدت مراحل وحقبات متعددة من النهضة العمرانية التي في أغلبها جاءت عقب حروب أو تغيرات سياسية، فمن مشروع المارشال إيتالو بالبو الذي انطلق غرب ليبيا عقب الحرب الإيطالية في ليبيا، حيث شيد الحاكم الإيطالي العديد من المدن والطرق، مما جعل ليبيا في ذلك الزمن تحفة معمارية رائعة، وإن كانت مشاريع بالبو ليست لليبيين، بل كانت ضمن مشروع الاستيطان الإيطالي في ليبيا، حيث أطلق بنيتو موسليني، الحاكم الفاشي الإيطالي، يد السفاح غرتسياني لتصفية الليبيين لدرجة حشرهم في معتقلات خلف الأسلاك الشائكة أشبه بمعسكرات الهولوكوست، وهو نفسه من أطلق يد إيتالو بالبو في البناء والتشييد لأجل معتقده الخاطئ أن ليبيا هي الشاطئ الرابع لإيطاليا، فقد كان الحاكم الفاشي الإيطالي يعدّ ليبيا الشاطئ الرابع La Quarta Spond المصطلح الذي أطلقه على ليبيا، مما جعل الحرب الإيطالية على ليبيا هي حرب استيطانية وانتزاع أرض واستبدال شعب محل شعب آخر.

إلى أن جاء مشروع إدريس، الملك الصالح مؤسس ليبيا الحديثة، بداية الستينات من القرن الماضي مع أول برميل نفط يستخرج من باطن الأرض الليبية الذي استهدف تنفيذ 100000 وحدة سكنية؛ 60 في المائة منها في المناطق الداخلية، وإعمار الطريق الساحلي بطول ألفي كيلومتر، وبناء جامعتين متكاملتي المرافق والكليات، وأكبر ملعبين لكرة القدم في ذلك الوقت في ستينات القرن الماضي، في عهد الملك الصالح إدريس السنوسي رحمه الله.

صحيح أن الإعمار في ليبيا تواصل في زمن القذافي في أول عهده، ومنها إزالة أكبر حي للأكواخ في العاصمة طرابلس، وبناء شبكة طرق داخلية والاستصلاح الزراعي الضخم في الجبل الأخضر وسهل جفارة، إلى مشروع النهر الصناعي الذي يعدّ أهم إنجاز تحقق في زمن القذافي، ولكنه اعتزل الناس في خيمته، وبذلك توقفت عجلة الإعمار ومن بعدها جميع مشاريع الإعمار بسبب سياسات خاطئة تسببت في إهمال البنية التحتية.

اليوم ليبيا تشهد نهضة إعمار كبيرة ونوعية بعد الحرب على الإرهاب، استطاعت القوات المسلحة العربية الليبية إطلاق مشروع إعمار كبير بدأ في درنة التي كانت ولاية تابعة للبغدادي تُقطع فيها رؤوس الناس، واليوم تنهض بمشاريع إعمار وبناء تغيرت معها حتى معالم المدينة المنهارة لتظهر الجسور والكباري وإصلاح البنية التحتية، حتى وصلت اليوم إلى الجنوب الليبي في سبها وغات والكفرة في أقصى الجنوب الليبي، وطالت أيدي الإعمار والبناء أقصى الشرق، بعد أن سكتت المدافع وهزمت وطردت «داعش» وأخواتها.

بنغازي كبرى مناطق الشرق الليبي، وثاني المدن الليبية، والتي كانت تحت احتلال «داعش»، وسيطرة ميليشيات الإسلام السياسي، تشهد اليوم نهضة إعمار كبرى لبناء أبراج وأكبر منطقة تجارية حرة في أفريقيا ومطار عالمي حديث، ما كانت لتتم لولا فضل الله بنصر الجيش الليبي على قوى الإرهاب والظلام التي جعلت من ليبيا في العشرية السوداء أرض مشاع للجماعات المتطرفة، ومركز تفريخ لعناصر الإرهاب، فمن يرى بنغازي اليوم لا يصدق أنها بنغازي التي كان يُغتال فيها كل يوم عشرات الضباط والجنود، بحجة أنهم مرتدّون وأتباع الطاغوت وضباط العهد السابق، في ضلالة مرت بها ليبيا في العشرية السوداء عقب هجمات «الناتو» الأطلسي التي أسقط فيها الدولة وليس النظام، بحجة حماية المدنيين من رصاص القذافي فتركهم «الناتو» لسكاكين «داعش» لبضع سنين قبل أن ينهض الجيش الليبي ويستعيد البوصلة ويضبط مسار البلاد، ويرفع السكين من على رقاب الناس.

رغم الصراع السياسي فإن الإعمار - أياً كان صاحبه وأياً كانت فاتورته الباهظة - سيبقى بارقة أمل في استعادة ليبيا من الفشل والانهيار، بعد أن راهن كثيرون على اتفككها، فها هو الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر يعيد لملمة أطرافها، ويجمعها تحت راية واحدة لإعمار ما تهدم منها، فتحية لمن يصنعون الإعمار. ويا ليت بقية الأطراف تترك خلافاتها وتتَّجه نحو النهضة الشاملة في سائر البلاد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعمار ليبيا والعقبات الماثلة إعمار ليبيا والعقبات الماثلة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 06:14 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين
 صوت الإمارات - العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates