من ينتخب الرئيس الشعب أم «المجمع الانتخابي»

من ينتخب الرئيس... الشعب أم «المجمع الانتخابي»؟

من ينتخب الرئيس... الشعب أم «المجمع الانتخابي»؟

 صوت الإمارات -

من ينتخب الرئيس الشعب أم «المجمع الانتخابي»

بقلم: جبريل العبيدي

 

من عجائب الانتخابات الأميركية أنه قد يخسر الفائز بأصوات ملايين الشعب، ويكسب من يفوز فقط بـ270 صوتاً من المجمع الانتخابي!

فالدستور يشترط تشكيل المجمع الانتخابي (Electoral College) كلَّ أربع سنوات لغرض وحيد هو انتخاب الرئيس ونائبه، إذ تنص المادة الثانية، القسم الأول، البند الثاني، على أن تُعيّن كل ولاية ناخبين يُختارون بالطريقة التي تحددها الهيئة التشريعية. يوجد حالياً 538 ناخباً في المجمع الانتخابي، والأغلبية المطلقة من الأصوات الانتخابية 270، وهذا هو الرقم السحري الذي يمكّن الرئيس المنتخب من الفوز حتى لو خسر أصوات الشعب، مما يؤكد أنَّ الشعب الأميركي ليس صاحب الحق الأصيل في تحديد من هو رئيس أميركا، بل إنَّ تصويت الشعب مجرد عملية تفويضٍ للمجمع الانتخابي وأعضائه للانتخاب نيابة عنه.

النيابة عن الشعب حقيقة قد لا يعرفها الكثير من المتابعين للانتخابات الأميركية، خصوصاً أنه خلال خمس مرات في تاريخ الانتخابات الأميركية لم يكن الفائز في الانتخابات الرئاسية هو الفائز بأصوات الشعب.

بل إن هناك ولايات لا تنتخب من الأصل مثل جزيرة بورتوريكو، التي تعرضت للتنمر والإهانة عندما وصفها البعض بأنها «جزيرة قمامة» عائمة في المحيط، مما يؤكد أن الشعب الأميركي لا ينتخب كله. وحتى أولئك الذين ينتخبون شكلياً، هم فقط يصوتون لتفويض المجمع الانتخابي بالقرار نيابة عنهم، وهو الجانب المخفي في حقيقة الانتخابات التي قد يخسر فيها من يحصل على أغلبية أصوات الشعب الأميركي ولا يحوز أصوات المجمع الانتخابي، مما يؤكد أن المجمع الانتخابي هو من ينتخب الرئيس حقيقةً وليس الشعب.

القذافي الذي كان يعارض النظام الانتخابي القائم على التصويت عبر صناديق الاقتراع كان يصف هذه العملية في الكتاب الأخضر بالقول ساخراً: «صفوف صامتة تتحرك كالمسبحة لتلقي بأوراق في صناديق الانتخابات بنفس الطريقة التي تُلقى بها أوراق أخرى في صناديق التدوير»، وهي ما يعكس حالة متطرفة ضد آليات الديمقراطية بل ضد الديمقراطية نفسها من حاكم عُرف بالدكتاتورية في ثوب «سلطة الشعب» لا يمكن القبول بها رغم لمسها جوهر الحقيقة.

صناديق الانتخابات، باعتبارها آلية للتصويت، تعرضت للوصف القبيح بأنها «صناديق التدوير»، وللتزوير، والتضليل، والاستخدام غير مقبول للنتائج، بل وضياعها وإتلافها، وهذا حسب البيئة والموقع الجغرافي وثقافة الشعوب التي تَستخدم فيها الديمقراطية بصورتها الغربية نسخاً طبق الأصل دون النظر للبيئة المحيطة وثقافة الشعوب ومدى صلاحيتها لها. وكما قيل سابقاً: «هل الديمقراطية قابلة للتحول؟». ففي أميركا لم ينجح انتخاب أوباما ولا انتخاب ترمب في توحيد الأمة الأميركية المنقسمة لتاريخ طويل، فقد أظهرت الانتخابات الرئاسية ما كان يخفيه القش المتراكم لزمن فوق انقسامات سياسية ومجتمعية حادة تعود لزمن ما قبل الاستقلال، ونهاية الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وغياب حالة الاتحاد على المستوى الوطني، وكرست الانقسامات انقساماً مجتمعياً حاداً في الداخل الأميركي وصراع الليبراليين والمحافظين بسبب الحزبية المفرطة.

الدولة العميقة والتخوف من سيطرة الحزبين الأميركيين مؤشران مهمان على أن أميركا أمة منقسمة، وليست موحدة حقيقة، ولعل خسارة دونالد ترمب الماضية دليل على أن هناك أمة منقسمة لم توحدها الديمقراطية ولا وصول رئيس من عرق مختلف مثل باراك حسين أوباما، ولم تنجح في ردم الفجوة بين الليبراليين والمحافظين والبيض والسود، فتكررت الاعتداءات على السود على مدى التاريخ الأميركي بمقتل الكثير منهم على يد رجال الشرطة، بدم بارد.

وما دام الانتخاب في أميركا انتخاباً حزبياً، إذن لماذا التخوف والقلق ما دام هذا انتخاب مشروع سياسي؛ «حزمة» من التفاهمات؟ الحقيقة غير ذلك في ظل وجود الدولة العميقة، فكلا الحزبين ينهج نهجاً واحداً أياً كان الساكن للبيت البيضاوي، لا يهم، فالسياسة الخارجية تبقى واحدة في الكثير من السياسات الاستراتيجية، مما يؤكد أنَّ منصبَ الرئيس فقط أنه موظف برتبة رئيس يحمل الحقيبة النووية من دون أن يمتلك مفاتيحها وأكوادها التي تبقى في وزارة الدفاع، مما يجعل منه مجرد حامل للحقيبة المقفلة.

لقد أدلى الملايين بأصواتهم بالفعل، لكن الآلية التي يعمل بموجبها النظام الانتخابي الأميركي سبب احتمال أن يفوز أحد المرشحين بأغلبية الأصوات على المستوى الوطني (الأميركي) ولكنَّه قد يخسر الانتخابات مع ذلك لأنَّ الأميركيين يصوتون على مستوى الولايات وليس على المستوى الوطني.

أصحاب فكرة المجمع الانتخابي يبررون الفكرة بالقول بأنها حماية للولايات الأصغر عدداً من الإهمال، ومنع تفرد الولايات الكبرى من حيث السكان بقرار اختيار الرئيس، مما قد يعني أنَّ الرئيس قد يفوز فقط بكسب أصوات 11 ولاية من دون أن ينتخبه أي شخص من 29 ولاية أخرى، وحقيقةً هذا خلل كبير في النظام الانتخابي الأميركي، الذي صادر عملياً حق الشعب في اختيار رئيسه، وجعله حكراً وقراراً أصيلاً للمجمع الانتخابي ونصاب 270 صوتاً؛ الرقم السحري للفوز. رغم أن «التعددية» الحزبية مختزلة في الحزبين، لكنها لم تحقق التنوع المطلوب لتحقيق تعددية ديمقراطية، بالتالي لم تمنح أميركا الحصانة من انقسام الأمة بين حزبين عريقين، لم ينجح أي منهما في إعادة حالة الاتحاد للأمة، كما تمناها الآباء المؤسسون بل كرّسا للاستقطاب والاصطفاف مما يهدد ليس فقط الحياة السياسية، بل استمرار حالة الاتحاد بين الولايات التي توحدت في ظروف صعبة جمعتها فيدرالية لم تتمكن من حماية حالة الاتحاد للأمة الأميركية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من ينتخب الرئيس الشعب أم «المجمع الانتخابي» من ينتخب الرئيس الشعب أم «المجمع الانتخابي»



GMT 01:43 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«الحياة الأبدية» لمقاتلي روسيا

GMT 01:43 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... السنجاب المحارب!

GMT 01:41 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأولوية الإسرائيلية في الحرب على لبنان

GMT 01:40 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تثمين العقلانية السعودية

GMT 01:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«أرامكو» وتحوّل الطاقة

GMT 01:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

GMT 01:36 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

التخريب والممتلكات العامة

GMT 01:36 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المرشح الخاسر

GMT 19:50 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:14 2020 الإثنين ,24 آب / أغسطس

موناكو يتعادل مع ريمس في الدوري الفرنسي

GMT 20:28 2018 السبت ,03 آذار/ مارس

طريقة تحضير سلطة البطاطا الحلوة

GMT 12:22 2013 السبت ,06 تموز / يوليو

الإنتاج الرقمي تخصص مطلوب في سوق العمل

GMT 05:24 2015 الأحد ,21 حزيران / يونيو

مشروع لحماية القمم الخلابة في جبال اسكتلندا

GMT 20:01 2020 الخميس ,30 تموز / يوليو

قصات شعر لعيد الأضحى 2020

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حليمة بولند تثير الجدل مجدّدا بفيديو من داخل حوض الاستحمام

GMT 22:12 2019 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عقد شراكة بين مهرجاني البحر الأحمر والقاهرة السينمائي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates