مفهوم الدولة والتحديات المستجدة

مفهوم الدولة والتحديات المستجدة

مفهوم الدولة والتحديات المستجدة

 صوت الإمارات -

مفهوم الدولة والتحديات المستجدة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

 

قلت قبل أيام في حوار متلفز إن هدف الحركات الأصولية إسقاط الدولة؛ أو على الأقل إفشالها، وآية ذلك أن الدول التي سرّع بفشلها الغزو أو الثورة أو الأصولية إنما تعبر عن القلق العميق الذي يشعر به الباحث حول طبيعة العلاقة بين المجتمع والقانون، وهذا يذكّرنا بالدراسات الراصدة لتلك العلاقة في مراحل ما بعد الاستعمار، أضرب مثلاً بأعمال هائلة لنجيب بودربالة الذي أسهم مع أستاذه بول باسكون في إرساء اللبنات الأولى لسوسيولوجية القانون لمرحلة ما بعد الاستقلال بالمغرب، ويدور مشروعه حول علاقة القانون بالمجتمع، وعلاقة الأنظمة العقارية بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى القانون القروي، وحقوق الإنسان، والنظام الغابوي، وقد عمل مع أساتذةٍ كبار في فلك الدراسة الاجتماعية الفذّة في المغرب مثل عبد الله حمّودي (صاحب أطروحة الأضحية) ومحمد علاوي وعبد الله حرزني، بمشاركة عبد الكبير الخطيبي.

الدراسة المجتمعيّة لمجتمعات ما بعد الاستعمار، لم تعضد بما يماثلها لمرحلة ما بعد الحرب على العراق مثلاً، أو لمرحلة ما بعد «الثورات». أو ما بعد «داعش» تلك الدراسات المغاربية بكل معنى الكلمة هي إسهامات جليلة، يمكن الاستفادة منها بنقطةٍ أساسية تطرّق إليها أستاذ الإنثروبولوجيا بجامعة بريستون عبد الله حمودي، الذي استنكر التفاسير ذات البعد «الحتمي» عبر استعادة حتمية التحليل النفسي أو البنيوي، المتجاوبة مع الآفاق الثورية عبر حسم تفسير المجتمع من أجل إيجاد بديلٍ حاسمٍ أيضاً، ويأتي ضمن هذا حال «حتمية التحليل السياسي» المنتشرة حالياً، التي تعبّر عن قطعية في فهم المجتمعات وتحوّلاتها، وإسراعٍ نظري لإيجاد البديل المسوَّغ تحليلياً تجاه هذا المجتمع أو ذاك.

كل أفولٍ للدولة يصحبه انهيار في شبكة العلاقات بين أفراد المجتمع، وبين المجتمع كله والقانون، وانعدام إمكان التعويل على إبرام أي تعاقدٍ مدني مزمع بين أي فردٍ وآخر، وبين أي مؤسسةٍ وأخرى، لتكون الحال الطبيعية الأولى، حالة ما قبل المجتمع، بكل وحشيتها وحيوانيتها وغابيتها هي الشرعة والحَكَم، ويعيدنا هذا إلى ربط هيغل في «مبادئ فلسفة الحق»، إذ يرى أن «المجتمع المدني، هو دولة الضرورة والفهم، فهو يتطابق مع لحظة الذاتية، في مجمل فلسفة الحق، وفيه يعتقد الأفراد أنهم يحققون حرياتهم الفردية والذاتية. إن الدولة الحقيقية التي أعضاؤها مواطنون واعون بأن إدارة وحدة الكل ترتفع فوق المجتمع المدني، ما دام أن الدولة هي واقع الإرادة الجوهرية، واقع تتلقاه في وعيها لذاتها الذي أصبح كلياً، إنها العقل في ذاته ولذاته، وهذه الوحدة الجوهرية هي غاية خاصة ومطلقة وثابتةشؤ، تحصل الحرية منها على قيمتها العليا».

نستشهد بفيلسوفٍ أرّخ الحرب الأهليّة البريطانية توماس هوبز: «ما دام أن وضعية الإنسان في حالة الطبيعة هي (حالة حرب الكل ضد الكل)، وهي حالة يحتكم فيها كل واحدٍ إلى ما تمليه عليه ميوله وأهواؤه، ولأنه لا يوجد ما يمنعه من استعمال كل ما يراه كافياً للحفاظ على حياته ضد الأعداء، ينجم عن هذه الحالة أن لكل إنسان الحق في كل شيء، بل إنه يملك الحقّ على نفوس أناسٍ آخرين، ولهذا فإن استمرار الحق الطبيعي لكل إنسان على أي شيء، لا يمكن معه لأي واحدٍ مهما بلغ من القوة والحكمة، أن يعيش المدّة التي تسمح بها الطبيعة للبشر عادةً».

الخلاصة؛ أن مجتمع الدولة الفاشلة أفراده دوماً في كل لحظةٍ في حالة حربٍ مستمرة، حتى لو لم يملك بعضهم السلاح، هناك شراهة للاقتسام، أنياب ومخالب مجهّزة للانقضاض، أحقاد مرعيّة تُحرس من قبل الدويلة الصغيرة ضد الدويلة الصغيرة الأخرى، ومهما كان حال المجتمع ثقافياً أو مستوى تطوّره وإرثه المدني تاريخياً، غير أن إمكان الحرب واحتمال القتل هو الأساس ساعة أفول الدولة، حدث هذا في حروبٍ أهليّة أوروبية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفهوم الدولة والتحديات المستجدة مفهوم الدولة والتحديات المستجدة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 02:36 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 صوت الإمارات - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 00:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 صوت الإمارات - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 00:55 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 صوت الإمارات - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 09:15 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 19:12 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 20:20 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 11:21 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 10:58 2012 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

"البرلمان الأوروبي" يمنع قطع زعانف سمك القرش في البحر

GMT 13:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن راشد يهنئ المواطنين هاتفيًا بـ"اليوم الوطني"

GMT 15:55 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

منزل غريب في نيوزيلندا يصلح للشخصيات الخيالية

GMT 19:23 2017 الأحد ,06 آب / أغسطس

خالد باوزير يعود إلى تدريبات الوحدة

GMT 12:20 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

التليفزيون المصرى يعرض أول مسلسل صيني في الشرق الأوسط

GMT 21:50 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد للطيران تعلق رحلات أبوظبي " دالاس فورت وورث " في 2018

GMT 07:01 2017 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

شركة يابانية تكشف عن أسرع سيارة في العالم

GMT 22:12 2021 الأحد ,10 تشرين الأول / أكتوبر

وضعيات "يوغا" تقلل من تساقط الشعر

GMT 08:44 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

فساتين راقية بلمسات شرقية لها سحرها الخاص

GMT 03:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نسخة مسرحية من «عائلة آدم» في «أميركية الشارقة»

GMT 09:38 2019 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

هيفاء وهبي تعلن الاعتزال الفني بشكل مؤقت
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates