ذكريات الحروب وآثارها الكارثية

ذكريات الحروب وآثارها الكارثية

ذكريات الحروب وآثارها الكارثية

 صوت الإمارات -

ذكريات الحروب وآثارها الكارثية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تؤثر الحروب في تشكيل معاصريها على كل المستويات، بل وتحكّ وشوماً على جدار الذاكرة القاسية، والممارسات المروّعة، على سبيل المثال الذين عاصروا الحرب الأهليّة في لبنان لايفضّلون سماع أغاني فيروز، لأنها تذكّرهم بالملاجئ، واجترار الذاكرة الدامية. الآن تتصاعد لغة الحرب والسلاح، وهذه الحقبة ستشكّل جيلاً من الحانقين الغاضبين، وعليه فإن فهم معنى الحرب بوصفه مفهوماً له تصدّعاته وآثاره بات ضرورياً أكثر من أي وقتٍ مضى، وهذا ما أودّ التركيز عليه هنا.

وللدخول لصلب مفهوم الحرب لابد من العودة إلى «بول فيريليو»، حيث حواره الذي ترجمه محمد الحنشي ونشرتْه مجلة «حكمة»، وفيه يعلق على مقولة هيراقليطس: «الحرب أم كل الأشياء» قائلاً:«هذا ما عشته، إنها صدمة لا أريد فرضها على أحد، لكن، للأسف، القرن العشرون، قرن تنعدم فيه الشفقة، إنه قرن الحرب الشاملة. إن الحرب دائمة. فهي ليست مولدة للتاريخ كما يقال، بل إنها دائمة، ليست دائمة في وقوعها من خلال المعارك، بل في الاستعداد لها. إنها كانت دائماً في الاشتغال، منذ اختراع البواخر الأولى: المراكب الرومانية القديمة ذات الثلاثة صفوف من المجاديف أو السفن الشراعية، التي لم تكن بواخر تجارية، بل بواخر حربية - كما برهن على ذلك بروديل (1902-1985)- كانت تستعمل، أحياناً، لأغراض تجارية. ولا يمكن أن نتكلم عن العلم أو الصناعة التقليدية أو الاختراعات الصناعية أو أنماط الإنتاج دون الحديث عن أنماط الدمار والتحضير للحرب المقبلة. وما يهمني، هو ما أسميه بالحرب الخالصة، أي الاستعداد للحرب أكثر من الإعلان عليها. ما يهمني، هو ميل الحرب إلى التطور عبر المعرفة».

لقد ارتبطت الحرب بتغيّر وتحوّل - ليس جغرافياً فحسب - وإنما في دفع النظريات الكبرى نحو التركيب والتأقلم مع البشرية، كما في الحروب الأهلية الأوروبية والأميركية والروسية والآسيوية، وآخر تشكّل عوالم فكرية وحضارية جديدة متجاوزة ما حدث من تحوّل أممي نظري بعد الحربين العالميتين. ارتبطت النظرية بالحرب منذ بواكير ما وصل إلينا من تنظير الإنسان.

كما أن الحرب جزء من حركة التاريخ، ومن التقاء الأضداد، لا بد أن ينجرف مسار على آخر، ولكن ما لم تتوصل البشرية إليه رغم كل التنظير المديد عن نظرية الحرب وفلسفاتها هو التحديد المتفق عليه لتعريف الحرب المشروعة، وآية ذلك أن السجال الأخلاقي بين المحللين والمنظّرين ينشب على طرفي نقيضٍ مع كل موجة حرب تستجد.

الخلاصة، أن الحروب التي نشهدها الآن لها مثلها وأضعافها في حقب تاريخية سالفة، ولكن الفرق في مشهدية الحرب بسبب التطوّر التقني وتلاقي الصورة مع الحدث، بعضهم يعتقد أن البشرية ازدادت وحشية، وهذا قول غير دقيق، بل إن نزعات الإنسان كما هي، ولكن كانت الحروب بدائية وتقليدية، وأضحت الآن أكثر دقة وأقدر على الإيلام بسب التفوّق العلمي والتكنولوجي والعسكري.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكريات الحروب وآثارها الكارثية ذكريات الحروب وآثارها الكارثية



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates