«طالبان» وبراغماتية التحوّر المفروض

«طالبان» وبراغماتية التحوّر المفروض

«طالبان» وبراغماتية التحوّر المفروض

 صوت الإمارات -

«طالبان» وبراغماتية التحوّر المفروض

فهد سليمان الشقيران
بقلم - فهد سليمان الشقيران

لا ندري كيف سيكون حال أفغانستان لو أن الملا عمر استجاب لطلب الأميركيين وسلّم أسامة بن لادن، ورفع الغطاء على تنظيم «القاعدة». ولكن شهدنا على حقبة أفغانستان بعد الهجوم الأميركي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، لم تكن الحرب مزحة، بل تحمّلت واشنطن أكلافها الجسام، وحين انسحبت في صيف 2021 تركت وراءها الكثير من المقابر والحطام.

تعمّدت حركة «طالبان» أن تجرّ وراءها المجتمع الأفغاني نحو آيديولوجيتها المعقّدة، فهي ذات تركيب شرس، «طالبان» في التسعينات غيرها في الألفية، وهذا لا يعني التطوّر، بل أقرب وصفٍ لذلك ما عنونه كتاب صادر عن مركز «المسبار» للدراسات «طالبان المتحوّرة»، والكتاب بالمناسبة صدر بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

في الأساس «طالبان» تبنّت مفهوم الحاكمية، كما يرصد نور الهدا فرزام عند أبي الأعلى المودودي وسيد قطب في أفكار وأعمال «طالبان»؛ ومدى تأثر الحركة بتلك الفكرة وعناصرها.

محاولاً الإجابة عن الأسئلة الآتية: هل نادت «طالبان» بالحاكمية؟ وإذا صح ذلك؛ فهل أخذتها من سيد قطب والمودودي أم هي مختلفة عنهما؟ وإذا لم تطالب بها؛ فهل هناك عناصر ومفاهيم من هذه الفكرة موجودة لدى «طالبان»؟ فإذا كانت موجودة؛ فمن أين وصلت إليهم؟ وما علاقة «طالبان» بالمودودي وسيد قطب في فكرة الحاكمية؟ هل هي متأثرة بهما أم لا؟ وما طرق التأثير؟

بل يدرس الباحث -كما في كتاب «طالبان المتحوّرة»- تطور آيديولوجيا حركة «طالبان» وطبقاتها التي قسمها إلى قسمين: طبقة القادة، وطبقة المحاربين. ثم يمر على المراحل التاريخية التي مرت بها «طالبان» التي صنّفها إلى: المرحلة الأولى: من النشأة إلى السيطرة على كابل 1996، المرحلة الثانية: السيطرة على كابل وسقوط «طالبان» (1996-2001)، المرحلة الثالثة: من السقوط عام 2001 إلى 2021.

وفي آخر المبحث خلص إلى أن أعضاء «طالبان يدّعون أنهم حنفيو المذهب، ويتبعون مذهب الإمام أبي منصور الماتريدي في العقيدة، غير أن الفكر الطالباني أخذ من أكثر من مذهب وحركة، فتجد فيه فكر الخوارج وفقه الحنفية ومفهوم الحاكمية عند المودودي وسيد قطب. وأن العقيدة عند طالبان تختلف في كل مراحل تشكلها، كما تختلف في طبقتيها وهما: طبقة القادة وطبقة المحاربين».

مشيراً إلى أنه قد يتناقض قول «طالبان» مع عملهم، وأن حركة «طالبان» تنظيم حركي قتالي إسلاموي وليس لها منابع خاصة تعبر عن فكرها إلا أعمالها. كما يرى أن طرق وصول مفهوم الحاكمية إلى «طالبان» كانت إما عن طريق تعاملهم مع تنظيم «القاعدة»، وهو -بدوره- أخذه عن عبد الله عزام المتأثر بسيد قطب، وإما عن طريق قراءة أفكارهم بشكل غير مباشر من خلال بيئة المدارس الدينية، وإما عن طريق التعامل مع أجهزة المخابرات، أو عن طريق المقاتلين ضد الاتحاد السوفياتي.

أصر على أنه تحور غير جذري، وإنما براغماتي بحت، ومن ذلك ما كتبه عمر فاروق في تقرير بهذه الجريدة بعنوان: «انقسامات داخل قيادة (طالبان) حول حقوق المرأة الأفغانية» وأهم ما لفتني فيه أن: «البراغماتيين يعطون الأولوية للاعتبارات العملية والمصلحة السياسية، ويسعون إلى التفاوض والتعامل مع الجهات الخارجية، ويؤدي هذا الانقسام إلى وجود سياسات وتوجهات متضاربة داخل الحركة، كما يتضح من المناقشات المتناقضة حول تعليم الفتيات. يعتقد كثير من الخبراء والدبلوماسيين الغربيين أن الخلافات بين الفصائل المختلفة لـ(طالبان) التي ظهرت في الآونة الأخيرة غير مسبوقة، ومن المرجح أن تعطل قدرة الحركة على الحكم والعمل كمجموعة متماسكة».

ثم ينقل عن أحد الخبراء الأفغان في كابل، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لصحيفة «الشرق الأوسط»، أن «طالبان» تميل لمعاقبة المنتقدين أو خفض منزلتهم أو إسكاتهم باستخدام القوة أو من خلال الأساليب القسرية، في إشارة إلى أمثلة مثل السفير السابق لـ«طالبان» عبد السلام ضعيف، ووزير الخارجية السابق وكيل متوكل، وزعيم الحركة المعتدل آغا جان معتصم، الذين جرى خفض رتبهم جميعاً بسبب إظهارهم المعارضة، وكذلك قُتل المُلا عبد المنان نيازي، الذي شكل جماعة منشقة في عام 2015، بتفجير انتحاري العام الماضي.

الخلاصة؛ أن وصف «طالبان» بالتحوّر لا يعني التجدد، وإنما الانضواء ضمن اضطرابات الإقليم، فالتحديات التي تواجهها الحركة كبيرة، ولا يمكنها أن تبقى منعزلةً وهذا من أسباب الخلاف بين «طالبان» القديمة، و«طالبان» المتحوّرة التي بدأت اتصالاتها مع الصين وروسيا والهند، وتفاوض الأميركيين عبر الوسيط التقليدي.

ولكن الرهان على مستوى الانفتاح الذي يمكن أن تؤمنه للمجتمع الأفغاني للذهاب لما هو أبعد من تعليم الفتيات. إن خطاب الحركة المحدث يجعل من المصلحة تعزيز المساومة السياسية؛ فالغرب ليس عدواً، بل هو منافس لهم بالنفوذ؛ ينتظرون منه الاعتراف بهم، ثم الثقة بهم، ثم الدعم السياسي والمادي، وما عادت الحريات (ولو لفظاً) مما تستنكره الحركة، بل راحت تروّج لحق الناس في الحياة، وأساسية التعدد الفكري والمذهبي بالبلاد، وحق المرأة ضمن شروط اللباس المحتشم، بل وحقها بالخروج والعمل، هنا نعثر على رابطة التلاقي بين «طالبان» وحركات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة «الإخوان». يظهر ذلك جلياً في عدد من الملامح، منها بناء أكثر من خطاب، بعضها موجه للداخل، وآخر للغرب والخارج، ووضع مسافة بين النظرية والتطبيق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«طالبان» وبراغماتية التحوّر المفروض «طالبان» وبراغماتية التحوّر المفروض



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 صوت الإمارات - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:53 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 02:56 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أفضل مطاعم العاصمة الأردنية "عمان"

GMT 15:37 2014 الجمعة ,10 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحة "الريتو" تشهد إقبالًا شديدًا من النجمات العالميات

GMT 10:07 2012 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

"خدعنى الفيس بوك" مجموعة قصصية للكاتب أشرف فرج

GMT 15:15 2014 الجمعة ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة العيد ترجع بنا الذاكرة إلى سنوات الزمن الجميل

GMT 19:03 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

13.8 تريليون درهم تداولات «دبي للذهب والسلع» في 15 عاماً

GMT 14:48 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

كايلا موريس تستعرض جسدها بالبكيني في تينيريفي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates