بقلم: دكتور زاهي حواس
كانت الأيام الأولى من حياة المولود أصعبها، وإن أكسبته الرضاعة الطبيعية قدرًا من المناعة على مدى سنوات الرضاعة الثلاث، فقد كان الأطفال أكثر عرضة للإصابة بتلوث الغذاء بعد فطامهم. ونجد الإشارة إلى علاجات أمراض الأطفال فى البرديات الطبية، ومنها الأمراض الجلدية، والتهاب اللوزتين، وتورم الغدد اللمفاوية، فضلًا عن فقر الدم الحاد، الذى ظهر فى بعض الهياكل العظمية لأطفال ماتوا فى سنوات حياتهم الأولى، وأمراض سوء التغذية الخطيرة. وقد جرت العادة على بقاء الأطفال إلى جوار أمهاتهم، فكانت الأم عند خروجها من المنزل تحمل طفلها داخل ما يشبه الشبكة على ظهرها أو على أحد كتفيها. وقد يكلف الأطفال الأكبر سنًّا بمساعدة الوالدين فى بعض أعمال المنزل البسيطة، أو كما يقتضى تعاون الأسرة مجتمعين فى فصل الحصاد، أو موسم الزراعة، مثلما يساعد الأطفال آباءهم فى الريف المصرى إلى اليوم. وبالرغم من أن نقوش المقابر والتماثيل تصور الأطفال عراة دائمًا، فإن ذلك يبدو مستحيلًا فى جو الشتاء البارد. وكانت ملابس الأطفال عادة صورة مصغرة من ملابس البالغين. وقد عُثر من الأسرة الأولى على ثياب طفل من الكتان مزين بثنايا على هيئة سترة بسيطة ذات أكمام طويلة وفتحة عند الرقبة. وكذلك عُثر فى مقبرة توت عنخ آمون على مرأة وعشرات من ملابس الأطفال!، لعلها للملك وهو صغير، فضلًا عن ملابس لوليد وبعض القفازات وأغطية الرأس.
يتميز الطفل المصرى فى مصر القديمة بضفيرة شعر تتدلى على جانب الرأس الأيمن، فى حين يُحلق سائر شعر الرأس أو يُقص قصيرًا جدًّا. وكان الشائع فى الدولة الحديثة حلق الشعر فى مواضع وتركه فى مواضع متفرقة من الرأس. أما الفتيات فى سن المراهقة فيظهرن بشعرهن الممشط فى هيئة ذيل الحصان، أكثر من ظهورهن بالشعر المستعار كالنساء. وكان أغلب أبناء العامة فى عون الوالدين منذ السن المبكرة، لذا شُغلت حياتهم بالعمل. وعلى الرغم من ذلك، فلم يُحرم الأطفال من ممارسة الألعاب، فضلًا عما عُثر عليه من لعب سُميت بأسماء تشع منها البهجة والفرحة، ولا تخلو من الدعابة. وكانت الأسماء مهمة، وغالبًا تكون من المشهورة فى الأسرة كأن يسمى الأطفال بأسماء الآباء أو الأجداد أو حتى أسماء الملوك والملكات سواء الذين رحلوا أو أولئك الذين لا يزالون على قيد الحياة. ولم تخلُ الأسماء كذلك من روح الدعابة عند المصرى القديم، فقد أُطلق على القزم المصرى الشهير الذى يعانى تشوهات خلقية فى الكتفين والرجلين اسم «سنب»، بمعنى سليم. وأحيانًا كانت تطلق عليهم صفات جسمانية مثل الأحمر والأسود أو أسماء تميز الطفل عن سائر أفراد الأسرة مثل «نب- سى»، أى سيدهم. وقد يُنسب الولد إلى بلدته أو حرفته، وربما أُضيف إلى اسم الطفل اسم آخر للتدليل كالذى أُطلق على «كابو- سنوت- ميمى- كاى»، كما اختاروا لأبنائهم أسماء تحمل معانى دينية أو تأملات دينية مثل «حسى رع» أى «ممدوح رع» و«باك ان رع»، أى «خادم رع».
وأكدت دراسة للراحل العظيم، الدكتور عبدالعزيز صالح- أحد علماء الآثار الأجلاء- أن ولادة الأنثى كانت محبوبة لدى المصريين القدماء كالذكر تمامًا، لذلك سموا بناتهم بأسماء طيبة تدل على الجمال، مثل «نفرت»، بمعنى «جميلة»، و«حنوت سن»، بمعنى «ستهم»، و«نفرتيتى»، بمعنى «جاءت الجميلة»، «ومريت ايتس»، بمعنى «حبيبة أبيها»، و«حنوت نفرت»، بمعنى «السيدة الجميلة»، و«نفرتارى»، بمعنى «حلاوتهم».
وكانت الصغيرات يلعبن بدمى بسيطة من طمى محروق أو الخشب مرسومة عليها سمات الوجه. وقد تُلف أحيانًا بالنسيج. وهناك نموذج عُثر عليه فى حلوان، كما عُثر على العديد من التماثيل الخشبية لحيوانات لبعضها فم وذيل متحرك بخيوط. وكانت الدمى تُصنع كذلك من ألياف النخيل أو الدوم أو القش، وتُغطى بجلد أو نسيج مخيط. ومن المناظر المصورة على جدران مقابر بنى حسن بمصر الوسطى مشهد لفتيات يقفزن بمهارة وأخريات يتقافزن بالكرات الصغيرة. وهناك نقش جدارى يمثل فتاة ترمى السهام بالقوس مصوبة إياها نحو ثلاثة أهداف دائرية الشكل. وفى ذلك ما يؤكد ممارسة الفتيات لما كان يمارسه الفتية من ألعاب قد تتصل بالحرب والقتال. كما عُثر إلى جوار الطريق الصاعد لهرم الملك ساحورع من ملوك الأسرة الخامسة من الدولة القديمة على منظر يمثل رجلًا يدرب شابًّا على التصويب بالسهام قائلًا له: «صوب جيدًا ولا تنحرف يمينًا أو يسارًا». ومن الفتيات مَن تعلمن السباحة، حيث صُورت على طبق من الدولة الحديثة من منطقة تانيس فتيات عاريات يسبحن فى بركة بين زهور اللوتس والأسماك، وفى مقبرة مريروكا من الأسرة السادسة نقش لفتيات يدرن فيما يشبه دائرة، بالإضافة إلى مناظر تصور فتيات يمسكن بالمرايا والصلاصل، وأخريات يؤدين رقصة الإلهة حتحور- إلهة الحب والجمال عند المصريين القدماء.
كان الرقص ذا مكانة كبيرة فى مصر القديمة، يمارس فى شتى الاحتفالات والشعائر الدينية والجنائزية، فأمام المراكب الجنائزية كانت تؤدَّى الرقصات من فتيات وفتيان لتبعد كل ما هو شرير عن طريق الجنازة. ومن مقابر بنى حسن، التى تعود إلى الأسرة الحادية عشرة والثانية عشرة من الدولة الوسطى مناظر تمثل فتيات يتدربن على الرقص والحركات الإيقاعية، يدربهن عليها معلمان من الذكور فى مدرسة الرقص. كانت فتيات الأسر الثرية يتعلمن الغناء والعزف على الآلات الموسيقية، وذلك للمشاركة فى الشعائر الدينية بالمعابد. وقد عثرنا فى منطقة أبوصير على مجموعة من الفتيات، يُطلق عليهن الـ«خنر»، ويتبعن القصر الملكى، يقمن بالرقص والغناء احتفالًا بالانتهاء من بناء الهرم. ويلى هذا المنظر منظر للعمال وهم يقومون بجر الهريم، الذى كان يُكسى بالذهب والفضة «الأليكتروم»، ويُوضع فوق الهرم، وبعد وضعه تقوم الفتيات بالرقص والغناء ابتهاجًا باكتمال بناء الهرم.
لا يوجد لدينا دليل على التعليم الأساسى للبنات. وكانت المدارس تُلحق بالمعابد أو المؤسسات الملكية. ويبدو أنها كانت مقصورة على الذكور، حيث لا دليل على التحاق الإناث بها. ويبدو أن البنات كن يتعلمن المهارات المختلفة فى المنازل على أيدى الأمهات. أما الأميرات كالأميرة «نفرو رع»، ابنة الملكة حتشبسوت، فعُهد بها إلى المعلمين مثل «سنموت»، المهندس الذى بنى معبد الدير البحرى. ومع ذلك، فلسنا نعرف ما إن كان تعليم الأميرات شائعًا أم لا، لكن حُفظ لنا عدد كبير من الرسائل بين الملكات والأميرات، بل بين عامة النساء. لكن لا يوجد دليل على أنهن كتبنها بأنفسهن أو عهدن إلى بعض الكتبة بكتابتها وقراءتها لهن. كانت الكلمة (سش) تعنى «كاتب» فى اللغة المصرية القديمة، ومؤنثها (سشات)، وتعنى «كاتبة»، خصيصًا للبنات، كما تشير بعض التوقيعات النسائية على الوثائق الرسمية إلى أن الإلمام بالكتابة والقراءة كان أمرًا استثنائيًّا فى النساء، حيث اقتصر على الطبقات العليا. وإن كان من المحتمل تلقى الكثير من الفتيات التعليم على أيدى الوالدين، خاصة عن طريق الأم، حيث التدريب على المهام المنزلية الأساسية من إعداد الخبز والجعة والغزل والنسيج على غرار ما يجرى فى القرى المصرية اليوم، حيث تُعد الفتيات كذلك للأمومة فى مرحلة مبكرة، ويقمن برعاية أشقائهن من الأطفال. وامتازت المناظر المصرية بالتعبير الهادئ عن مشاعر وأحاسيس الأبناء والبنات بفضل التلامس بالأيدى. ولعل من أشهرها منظر بمقبرة مريروكا، التى تعود إلى الأسرة السادسة من الدولة القديمة بسقارة، حيث يقف الابن بين والديه يمسكان بذراعه. هذا باستثناء مناظر نادرة يداعب فيها الملك إخناتون بناته الصغيرات، ويقبل سمنخ كارع الصغير، وللملكة نفرتيتى وهى تقبل إحدى بناتها.