بقلم - زاهي حواس
كنت ألقى محاضرة أمام «أبوالهول»، وسألنى أحدهم عن حقيقة ما سمعه من أن هناك «أبوالهول» آخر، أو بمعنى أصح توأمًا لـ«أبوالهول»؟. أجبت محدثى بأننى كتبت فى هذا الموضوع، وأعلنت عدم وجود «أبوالهول» ثان، وقلت له إن مخترع هذا الموضوع يحاول دائمًا إثارة اللغط للشهرة فقط، ولا دخل للعلم فى الموضوع!. ولذلك وجدت أن هناك ضرورة مرة أخرى لأن أكتب فى هذا الموضوع، ويشير صاحب هذه الخرافة بوجود أبوالهول آخر (أنثى) موازٍ ومساو فى الحجم لـ«أبوالهول» الحالى (الذكر)، ويقع فى الناحية الأخرى (الجنوبية) من الطريق الصاعد لهرم الملك خفرع، يتقدمه ما نسميه نحن «معبد الوادى». ولا أعرف على أى أساس عرف صاحب هذه الخرافة أن «أبوالهول» الحالى هو الذكر، بينما المختفى لابد أن يكون هو الأنثى؟!، ويعتمد فى خرافته على الآتى:1- أن الفن المصرى القديم يُعرف بحبه وحفاظه على السيمترية «التماثل» والهارمونية المتوازية، ولذلك فعندما يقرر النحات المصرى القديم وجود تمثال لـ«أبوالهول» على أحد جوانب الطريق الصاعد المؤدى إلى المعبد الجنائزى للملك، فلابد (من وجهة نظره) أن يقوم بنحت تمثال آخر مساوٍ وموازٍ للأول على الجانب الآخر من الطريق الصاعد حتى تتحقق هذه السيمترية، التى نجدها محققة فى مداخل المعابد، حيث تنصب التماثيل والمسلات فى أزواج متقابلة على جانبى المدخل.
٢- يشير أيضًا إلى أن اللوحة الموجودة أمام صدر «أبوالهول» الحالى، والتى تسمى «لوحة الحلم»، تمثل الملك تحتمس الرابع يقدم القرابين إلى اثنين من تماثيل «أبوالهول» وليس تمثالًا واحدًا، الأمر الذى يؤكد حسب زعمه وجود تمثال آخر لـ«أبوالهول».
٣- لوحة الإحصاء، التى ورد بها ذكر تمثال «أبوالهول، وترميمات قام بها الملك خوفو، بعد حدوث صاعقة دمرت، حسب زعمه، رأس وذراعى «أبوالهول» الآخر «الأنثى».
٤- يؤكد أيضًا أن هيئة الفضاء الأمريكية »ناسا« قد تمكنت من التقاط صورة فضائية لهضبة الأهرام عن طريق مركبة الفضاء أندى فور عام 1994 تؤكد وجود جسم حجرى ضخم موازٍ لـ«أبوالهول» الحالى، ويقع على عمق حوالى 15 قدمًا من سطح الأرض.
وعلى ذلك يجب توضيح النقاط التالية، والرد على هذه المزاعم:
إن تميز الفن المصرى القديم بصفة السيمترية هو حقيقة يعرفها كل الباحثين والمهتمين بعلوم الحضارة المصرية القديمة؛ هذه السيمترية تحققت بالفعل عندما قام المصرى القديم بتصوير تمثالين لـ«أبوالهول» على «لوحة الحلم»، وأمام كل واحد منهما يقف الملك مقدمًا القرابين، ولا يعنى هذا بالضرورة وجود تمثالين لـ«أبوالهول» أو أن الفنان المصرى كان يصور على اللوحة ما هو موجود فى الطبيعة بالفعل، وإنما يُفهم من هذه اللوحة أن الملك يقدم القرابين لـ«أبوالهول» مرة عند مشرق الشمس وأخرى عند غروبها. وهو بالفعل ما نجده فى المعبد الذى شُيد أمام «أبوالهول»، حيث يوجد قدسا أقداس، أحدهما شرقى وآخر غربى، ويؤكد هذا أن النص المسجل على اللوحة نفسها يتحدث عن «أبوالهول» واحد، وهو الإله «حور إم آخت»، أى «حورس فى الأفق»، وليس هناك أى ذكر بالنص عن وجود تمثالين أو إلهين. أما الحديث عن أن معبد الوادى كان هو المعبد المخصص لعبادة «أبوالهول» الثانى «الأنثى»، فهو لا يتفق بحال من الأحوال مع أبسط قواعد علم الآثار المصرية، والذى يريد صاحب هذه الخرافة هدمه من أساسه، فمعبد الوادى هو مدخل للمجموعة الهرمية الخاصة بالملك خفرع، ويتصل بميناء يصله بنهر النيل عن طريق قناة مائية صناعية. ووظيفة معبد الوادى تختلف كل الاختلاف عن معبد الشمس الموجود أمام تمثال «أبوالهول». وتصميم كلا المعبدين مختلف تمامًا. ولو أن معبد الوادى هذا كان معبدًا لـ«أبوالهول» المختفى حسب الزعم لكان تصميمه مشابهًا تمامًا لتصميم معبد «أبوالهول»، وهذا دليل على أن وجود «أبوالهول» ثانٍ مجرد خرافة وليس نظرية.
أما عن لوحة «الإحصاء» أو ما يطلق عليها فى بعض الأحيان لوحة «ابنة خوفو»، والمحفوظة فى المتحف المصرى، فلقد عثر عليها العالِم الفرنسى أوجست مارييت أثناء حفائره فى أوائل القرن الماضى داخل معبد «إيزيس»، الواقع إلى الشرق من هرم الملكة «حنوت سن»، إحدى زوجات الملك خوفو، والتى أشار إليها هيرودوت بوصفها ابنة الملك وليست زوجته!. هذا المعبد كان فى الأصل معبدًا جنائزيًّا صغيرًا لهرم الملكة، ثم أُضيفت إليه بعد ما يقرب من حوالى ألفى عام على بنائه إضافات معمارية فى عصر الأسرة 26 المعروفة باسم العصر الصاوى. وهو عصر عُرف بالعودة إلى إحياء آثار وفنون وتقاليد الدولة القديمة. وتحول هذا المعبد من مجرد معبد جنزى إلى معبد لعبادة الإلهة «إيزيس»، والنص المسجل على اللوحة التى ما من شك أنها تعود إلى عصر الأسرة 26 يشير إلى أن الملك خوفو هو الذى أوجد «أبوالهول» ومعبد «إيزيس»، فإذا فهمنا هذا النص دون مناقشة أو بحث، فإنه يشير إلى أن «أبوالهول» يرجع إلى عصر الملك خوفو، وكذلك معبد «إيزيس»!، وقد ناقش العلماء هذه اللوحة، واتفقوا على أن النص فى شكله وقواعده لا يرجع إلى الدولة القديمة؛ عصر «أبوالهول» ومعبد إيزيس. يؤكد هذا أشكال الآلهة وأسمائها، التى جاءت بالصورة التى ظهرت فى العصور المتأخرة. وقد ذكر العالِم الفرنسى جاستون ماسبيرو أن اللوحة ربما تكون نسخة من أصل كان موجودًا منذ عصر الأسرة الرابعة!، وقد حاول العالِم المصرى سليم حسن أن يقارن بينها وبين لوحة أخرى ترجع إلى عهد الملك «شاباكا» من عصر الأسرة الخامسة والعشرين، التى ذكر فيها أن نصوصها قد كُتبت بأمر من الملك، بعدما تآكلت اللوحة الأصلية. ولذلك، فإن التفسير المنطقى لما ورد على لوحة «الإحصاء» أو لوحة «ابنة خوفو» هو أن كهنة الإلهة «إيزيس» كانوا يحاولون إضافة القدم والأصالة إلى معبد الإلهة، ولذلك قاموا بذكر «أبوالهول» حتى يؤكدوا هذا المعنى، وأن معبدهم يعود فى قدمه إلى عصر «أبوالهول»، وهناك حالات كثيرة مماثلة فى التاريخ المصرى القديم.
وأخيرًا، فإن الحديث عن وجود صاعقة دمرت «أبوالهول» الثانى المزعوم هو أمر لا يمكن أن يصدقه عقل!، خاصة أنه ما من دليل على أن تلفًا قد حدث فى «أبوالهول» الحالى أو أى من أجزاء معبد الوادى للملك خفرع أو الآثار المحيطة به جراء هذه الصاعقة، حيث لا يمكن أن نتخيل وجود صاعقة قادرة على تدمير تمثال بحجم وضخامة «أبوالهول» تمامًا دون أن تمس أيًّا من الآثار حوله أو حتى تترك أثرًا لهذا التدمير!، وعلى الرغم من ذلك، فإن لوحة «ابنة خوفو» تذكر وجود صاعقة يتفق علماء الآثار والجيولوجيا على أنها دمرت الأشجار المعمرة التى كانت موجودة فى وادى الغزلان بالقرب من هضبة الجيزة، لكنها لا يمكن أن تدمر تمثالًا ضخمًا من الحجر، يؤكد هذا أيضًا عدم العثور على أى أثر لتمثال محطم فى المنطقة المشار إليها، ولم يُعثر كذلك على أى نص مصرى قديم يتحدث عن صاعقة بمثل هذا الحجم.
أما عن الزعم بأن حالة «أبوالهول» الجيزة تقارن بما كان يمثل على جانبى مداخل المعابد، حيث تتوافر السيمترية ويصور أو ينحت ما هو موجود على الجانب الأيمن من المدخل وعلى الجانب الأيسر، فإن هذا خطأ واضح ومقارنة ليست فى موضعها الصحيح، حيث إن «أبوالهول» لا يقع عند مدخل معبد، بل على العكس تمامًا، فإن المعبد هو الذى يوجد أمامه. وقد ناقشت فى مقالات عديدة سابقة وظيفة تمثال «أبوالهول». وأكدنا أن لوجوده ارتباطًا بتلك الثورة الدينية التى حدثت فى عصر الملك خوفو وجعلته ينصب من نفسه إلهًا مساويًا لإله الشمس رع، فما كان من ابنه خفرع إلا أن نحت تمثال «أبوالهول» لكى يمثله وهو يقدم القرابين لإله الشمس «رع- خوفو»، الذى يعبد فى المعبد الواقع أمام «أبوالهول».
أما عن الموقع الذى يُقال إن به كان يربض أبوالهول الثانى، وهو المكان الواقع إلى جنوب معبد الوادى للملك خفرع، فقد كان مخصصًا لموقع المدينة الهرمية الخاصة بالملكة خنت كاوس. ولا يوجد دليل واحد على وجود «أبوالهول» ثانٍ، وقد قام العالِم المصرى سليم حسن بالحفر فى هذا الموقع، ولم يجد أثرًا لتمثال آخر لـ«أبوالهول».
وبالنظر إلى خريطة الجيزة، لا يوجد مكان يمكن أن يخصص لتمثال آخر بحجم «أبوالهول» الحالى، إضافة إلى أن الأدلة الأثرية تشير إلى أن «أبوالهول» الحالى قد نُحت بعد اكتمال الطريق الصاعد الخاص بالملك خفرع، أى أنه يخص الملك خفرع، ويؤكد المخصص الذى ينتهى به اسم «أبوالهول» «حور إم آخت» أنه عبارة عن تَلَّيْن متقابلين، بينهما قرص الشمس، والتَّلّان هنا يمكن تفسيرهما بهرمى خوفو وخفرع أو خفرع ومنكاورع، ويكون قرص الشمس هنا ممثلًا لـ«أبوالهول» أو الإله «حورس»، الذى يشرق من بين الأفقين. وأخيرًا، فإننا نؤكد أن «أبوالهول» هو حالة فريدة فى الفن المصرى القديم، لا يوجد له مثيل، ولم يحاول المصرى القديم طوال عصوره نحت تمثال آخر لـ«أبوالهول» بنفس حجم «أبوالهول» الجيزة، والسبب فى ذلك كما أوضحنا هو تلك الوظيفة الخاصة لـ«أبوالهول»، وأن عصر الملك خوفو يختلف تمامًا عن عصر أى ملك آخر من الدولة القديمة.