بقلم - أمينة خيري
فجأة.. تدخل بنجلاديش على خط الأحداث النارية المشتعلة. قلما تأتى سيرة بنجلاديش عندنا خارج سياقات المقارنة بيننا وبينهم فى العمالة، أو التساؤل عن كيفية وصولهم لهذا القدر من التصنيع لا سيما فى مجال المنسوجات والملابس، والاستعانة بكثافتها السكانية المرتفعة جدا للدفاع عن مفهوم الإنجاب بلا هوادة على اعتبار أنها نموذج يحتذى.
وهناك من يعتقد أنها جزء من الهند أو أنها تابعة لباكستان، لكن تاريخها الذى يجمع بين الهند إذ كانت جزءا منها إلى أن تم تقسيم الهند عام ١٩٤٧، لتصبح «أرض البنغال» جزءا من باكستان، ثم تعاود الانفصال عن باكستان فى عام ١٩٧٢ وتصبح دولة مستقلة عضوا فى الأمم المتحدة عام ١٩٧٤ لتدخل بعدها فى سلسلة من القلاقل والانقلابات، ورغم ذلك ظل النمو الاقتصادى حليفها حتى يومنا هذا، أمور غير معلومة لكثيرين. الحلقة الأحدث فى القلاقل بدأت قبل سنوات.
اعتقد العالم أن بنجلاديش بصدد الانتقال من مصاف الدول الفقيرة الهشة والانضمام للنمور الآسيوية، لا سيما حين وصلت الشيخة حسينة إلى السلطة لتصبح رئيسة للوزراء عام ٢٠٠٩. اعتبرها البنغاليون رمزا للديمقراطية وأيقونة ستحقق لهم التقدم والرفاه. تحقق جزءا من المعادلة، إذ نجحت حسينة فى نقل بلادها إلى خانة الدولة الصاعدة اقتصاديا، وتقلصت نسب الفقر، لكن الظلم والتمييز ترسخا.
لم تلتفت حسينة، أو لعلها التفتت لكن أساءت التقدير، إلا أن مفسدة طول البقاء فى الحكم مع قمع المعارضة، وصل بعضها لدرجة القتل خارج إطار القانون، ستؤدى إلى كارثة. ومع طول البقاء فى الحكم، دون ضوابط وتوازنات Checks and balances أخذ العقد فى الانفراط. القشة التى قصمت ظهر فئة عريضة من البنغاليين كانت إعادة تطبيق نظام حصص الوظائف الحكومية لفئات بعينها.
وأبرزها أقارب من حاربوا من أجل الاستقلال عن باكستان، وهو ما اعتبره أغلب الطلاب تمييزا وظلما، فتصاعدت حدة الاحتجاجات الطلابية، واعتبرتهم حسينة «إرهابيين يسعون لزعزعة استقرار الأمة». ثم حدث ما حدث من فوضى وعنف ووصل عدد القتلى لنحو ٣٠٠ شخص. وغادرت رئيسة الوزراء البلاد «إلى مكان أكثر أمانا». وأتوقف هنا عند مشاهد اقتحام ثلاجة حسينة، وإمعان المتظاهرين فى تصوير أنفسهم وهم يلتهمون الطعام، ومنهم من هرب من قصرها حاملا وزة أو سمكة عملاقة.
ويظل مشهد التهام الطعام من حلة حسينة عالقا فى الأذهان. أول ما يتبادر إلى الذهن هو حرمان الشعب فى الوقت الذى كانت تنعم فيه القيادة بما لذ وطاب من صنوف الطعام. لكن هناك الكثير وراء المشهد: الرغبة فى التوثيق ونقل صورة ذهنية معينة. يهلل البعض للصورة، ويعتبرها البعض الآخر صورة فجة للفوضى والعشوائية الممنهجة. لكنها تبقى صورة ذات دلالات خطيرة. أصوات بنغالية تطالب حاليا بأن يتولى الحائز على نوبل وصاحب فكرة «بنك الفقراء»، محمد يونس، الحكومة المؤقتة، ولذلك حديث آخر.