بقلم - أمينة خيري
حين كتبت قبل يومين عن «جهود التصعيد والمحاولات الحثيثة لتوسيع رقعة الصراع على أمل امتدادها لدول المنطقة كلها، وأن هذه الجهود والمحاولات لا يقوم بها طرف واحد أو تٌتهَم بها جماعة معينة، بل يشترك فيها كثيرون لم تكن مسيرات وصواريخ إيران قد تم إطلاقها بعد فيما سمته «وعده صادق»، ولم يكن حجم «الهجوم»- إن صح التعبير- قد اتضح، ولم تكن التفاصيل المتصلة به بالطبع قد عٌرِف بعضها، كما هو الحال حاليا.
حصل المتوقع، تم التصعيد، وتُرِك العالم يضرب أخماسا فى أسداس، لا تقييما للهجوم، والذى يفترض أن يكون ردا انتقاميا، بل فيما إذا كان هجوما بالمعنى المعروف للكلمة أم لا؟! جميعنا يعرف أن حرب غزة مرشحة للتمدد، وأن طبول الحرب يتم قرعها فى دول عدة، أو بالأحرى لدى جماعات تعمل بالوكالة فى دول عدة، من إيران إلى جنوب لبنان، ومنه إلى العراق وسوريا واليمن، حتى السودان الجريح ليس بعيدا، الأدهى من كل ذلك أن ينجرف البعض، سواء بدافع الحماس أو بسبب مدارس أكل عليها الزمان وشرب فى حسابات الحروب والصراعات، أو بدافع أيديولوجيات تعتمد، فى المقام الأول والأخير، على الأحبال الصوتية لا القدرات الحقيقية، للفرحة العارمة والبهجة الطاغية لأن «أى حاجة تنغص منام الأعداء ولو كانت دبة نملة» هى نصر وفوز وانتصار.
وإذا تقبلنا وجهة النظر تلك أو هذا الرأى الطفولى البرىء، فماذا عن حسابات ما بعد «دبة النملة»؟!، نظرة سريعة إلى العملية التى نفذتها حركة «حماس» يوم 7 أكتوبر الماضى ربما تساعدنا بهدوء ودون حنجورية الشتائم أو عنترية الاتهامات فى أن نفرق بين ما يمكن أن يؤرق نوم الأعداء ليلة أو ليلتين أو أسبوع، وبين ما يمكن أن يؤدى إلى خراب شامل ودمار كامل، مع تعكير صفو العدو قليلا.
وبهذه المناسبة، حتى «دبة النملة» قابلة للتخطيط والحساب، لكن أن تدب دبتها، ثم ننتظر آثار الدبة، فهذه سذاجة وربما أشياء أخرى أفضل عدم ذكرها. ذكرت فى المقال السابق أن إيران تجد نفسها، بعد ما تعرضت له قنصليتها فى دمشق ومقتل عدد من قادة الحرس الثورى الإيرانى، «مضطرة» للرد، ولو حفظاً لماء الوجه، وهو ما حدث بالضبط. ردت إيران على الهجوم الذى تعرضت هى له، وليس على حرب غزة! وتم تسويق الرد باعتباره رد اعتبار، والغريب أن كثيرين بيننا تبنوا هذه النظرية التسويقية! ذكرت فى المقال أيضا أن إسرائيل- بحكم وضعها الصعب فى غزة- قد تجد فى الرد على أى هجوم إيرانى مخرجا مؤقتا لها. والحقيقة أنه حتى لو لم ترد إسرائيل عسكريا، فقد جاء «وعده صادق» حاملا الخير لإسرائيل. حسن صورتها، وبرأ ذمتها، وبيض صفحتها، ونقطة ومن أول السطر. الغريب والعجيب مجددا أن بيننا من يهلل للهجوم. أما ما بعد الهجوم، فليتحمله آخرون.