روعة الأسف

روعة الأسف

روعة الأسف

 صوت الإمارات -

روعة الأسف

بقلم : أمينة خيري

 

«آسف»!، كلمة تبدو عابرة، لكن لها مفعول السحر. يقولها أحدهم، فتهدأ الأجواء المحتقنة، وتلين القلوب الغاضبة، وتخفت حدة المشاعر السلبية. أفتقد الكلمة كثيرا. أشعر أنها ضمن ضحايا الحداثة والمعاصرة. درجة فقدانها تختلف من مكان لآخر، لكن أكثر ما يزعجنى هو الربط بين اختفائها وبين صعوبة المعيشة، وتعثر الاقتصاد، وانتشار المعاناة الاجتماعية.

منذ عقود طويلة، يفرض السؤال عن العلاقة بين أن يكون أحدهم متعبا أو فقيرا أو مضغوطا وبين أن يسمح لنفسه ويسمح له الآخرون بأن يكون غليظا فظا مفتقدا الذوق وبديهيات التعامل مع الآخرين.

قبل نحو 20 عامًا، كتبت مقالا عبرت فيه عن افتقادى وحنينى لتبادل الكلمات والعبارات التى تدل على اعتذار أحدهم لآخر فى الشارع، إن داس على قدمه، أو خبط فيه بحقيبة يحملها، أو ارتطم به دون قصد فى وسيلة مواصلات عامة أو ما شابه. وقتها قال لى أحدهم: «الناس غلابة وتعبانين، كيف نتوقع منهم أن يعتذروا لآخرين عن سوء تصرف بدر منهم؟!» وقال لى آخر: «إحنا فى إيه ولا فى إيه؟!» وكأن ظروف المعيشة الصعبة تتناقض وألف باء الذوق! أو كأن كلمة الاعتذار ستزيد من أحمالهم وتفاقم أحزانهم.

التربية على ثقافة الاعتذار عن خطأ مقترف، سواء كان مقصودا أو غير مقصود، أمر عظيم. وأرى أن هذا النوع من التربية تضاءل وتوارى بشكل شبه كامل لدينا. الاعتبار المفرط أو دون داعٍ مرفوض، لكن الاعتذار فى محله يدل على رقى صاحبه وثقته فى نفسه، والأهم من هذا وذاك أنه يعنى أنه «إنسان».

يقولون إن البريطانيين يعتذرون أكثر من اللازم، لكن ضمن أسباب سعادتى للعودة إلى بريطانيا أننى أسمع كلمة «آسف» كثيرا لا سيما فى المواصلات المزدحمة أو طوابير المشتريات وغيرها. كما أننى لا أشعر أننى «زومبى» حين أقول الكلمة التى باتت نادرة النطق فى شوارعنا ووسائل مواصلاتنا ومحالنا.

وأزيد من الشعر بيتا، إذ إن بعض الأهالى يربون أبناءهم على أن الاعتذار هو سمة الضعفاء، ومن مفردات الذل والهوان، وأنه يبعث برسالة للآخرين قوامها أن الشخص الذى يعتذر جبان وبلا قيمة. وأضيف إلى البيت شطرا مفاده أن من الأهل – وبعضهم متعلم ويقول عن نفسه إنه متدين- إن الرجل الحقيقى لا يعتذر، لأن الرجولة ثبات على المبدأ (حتى لو كان خربا) وتصميما على الموقف (حتى لو كان مثيرا للغثيان).

أدعو جبهة رفض الأسف إلى إجراء تجربة معملية قصيرة لن تخدش مكانتهم العظيمة، أو تجرح كرامتهم العتيدة. المرة القادمة حين تكون ماشيا فى الشارع وترتطم بأحدهم، قف ثانية وقل له فى ثانية أخرى «آسف»، ولاحظ الأثر. والمرة القادمة حين تكون داخلا محلا تجاريا أو مصعدا، وتهجم كعادتك لتمر قبل الخارجين أو تثبت سموك وعظمتك بأن تزيح من هم فى طريقك، قل لهم كلمة «آسف»، وأخبرنا عن الأثر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روعة الأسف روعة الأسف



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates