بقلم : أمينة خيري
أعود إلى الأحزاب السياسية، وأسئلة مطروحة أكثر من إجابات متوافرة. يلمح بعض الخبثاء أن المصريين لا يرون الأحزاب أو من يمثلونها – باستثناءات بسيطة وأغلبها فى غير السياق المشاركة السياسية- إلا فى المواسم والأعياد.
هذا الظهور المرتبط بأحداث بعينها على الأجندة السياسية يفقد الأحزاب جانبًا من مصداقيتها وأهميتها وحضورها والغاية من وجودها. أتحدى أن يتمكن مواطن عادى، شرط ألا يكون باحثًا فى علوم وشؤون الحياة الحزبية المصرية، من أن يذكر أسماء أربعة أحزاب، ولن أقول الـ 80 أو84 أو الـ87 حزبًا الواردة أسماؤها فى القوائم المختلفة.
عمومًا، لا يهم الأسماء. ما يهم هو الأفعال، ولا أقصد الأفعال الخدمية، فهذه مهمة الحكومة، أى حكومة، والمنظمات الأهلية وغير الحكومية المتخصصة فى هذا الشأن، والجمعيات الخيرية المرخصة. أقصد الأفعال السياسية. فكر واضح، أيديولوجيا محددة أو حتى منزوعة الأيديولوجيا ولكن يحمل إطارًا ما للتعامل مع السياسة والداخلية والخارجية والاقتصاد والثقافة والرياضة والتعليم والصحة والسكن وغيرها، حضور فى الشارع، ومن يتحجج بالتضييق الذى تفرضه المسافات والمواصلات وغيرها، فعليه بالـ«سوشيال ميديا».
حين تقدم نفسك وتقول أنا فلان الفلانى، مهندس أو محاسب أو طبيب أو صحفى أو على باب الله، وعضو فى حزب كذا، فإن هذه الأخيرة تعطيك بعدًا مختلفًا وتضعك فى مكانة متفردة. لكن هل هذا يكفى لأن تؤسس أو تنضم لحزب ما؟
وحتى لو افترضنا أن هذا يكفى، حين تقدم نفسك باعتبارك أحد الأعضاء المؤسسين، أو الفاعلين، أو المقتنعين بالحزب الذى تنتمى له، ويسألك أحدهم: وما هو برنامج الحزب؟ أو ما هو فكر الحزب؟ أو كيف يمكن للناس أن تتواصل مع الحزب؟ أو ماذا يقدم الحزب للناس؟ أو ماذا يتوقع الحزب من الناس؟ وكيف ولماذا؟ هل الإجابات حاضرة وجاهزة، ولن أقول مقنعة أو حقيقية؟!
إن لم تكن حاضرة وجاهزة، فعليك مراجعة انتمائك الحزبى. وإن كانت حاضرة وجاهزة، ما احتمالات ترجمتها إلى أفعال؟ وما الذى يعرقل هذه الترجمة، حتى لو كانت عراقيل خارج حدود الحزب؟ ما علينا!. العدد الكبير للأحزاب لا يعنى تعددية حزبية أتوماتيكية. التعددية تعنى حراكًا وزخمًا وإثارة ومناظرات وائتلافات وتقاربات وتباعدات أيضًا. وربما أيضًا تتطلب معرفة وشعور المواطن، الذى هو الناخب، بوجود هذه التعددية أصلاً، وليس التأكيد على وجودها قولاً.
بصراحة شديدة، متى يفكر المواطن المصرى العادى غير الضالع فى المشهد السياسى أو الإعلامى فى الانضمام لحزب ما فى مصر اليوم؟ البعض يسخر ويقترح أن يكون السؤال: ولماذا يفكر المواطن فى ذلك أصلًا؟. أغلب الظن إن الإجابة واحدة: حين يحتاج خدمة ما، نقل ابنه من مدرسة لأخرى، قرار علاج، مشكلة فى السكن، عمرة، كرسى متحرك، ترخيص كشك، تعيين ابنة، فينصحه ولاد الحلال بالتقدم بطلبه إلى «سيادة النائب»، أى نائب فى أى حزب. وهنا يستوقف المواطن تاكسى، ويقول للسائق: «اطلع بينا على أقرب حزب».