عيد العمال مظلوم

عيد العمال مظلوم

عيد العمال مظلوم

 صوت الإمارات -

عيد العمال مظلوم

أمينة خيري
بقلم - أمينة خيري

عيد العمال مظلوم. ظل على مدار عقود طويلة محبوساً فى حيز ضيق. الصورة الذهنية تقتصر على عمال المصانع -ولهم كل الاحترام والتبجيل والحب والتقدير- دون غيرهم. ومجريات السنوات القليلة الماضية، وتحديداً منذ أحداث يناير 2011 تخبرنا أن عيد العمال ينبغى أن يحظى بقدر أوفر من الاهتمام. فبالعمل، ولا شىء غير العمل، تنهض الدول وتتقدم الشعوب.

رأيى أن أول ما ينبغى العمل عليه، فى مناسبة عيد العمال، هو إعادة غرس مفهوم العمل وقيمته لدى الأجيال الصغيرة. بصراحة شديدة، لدينا عوار واضح وصريح فيما يتعلق بالعمل. نسبة كبيرة منا تعاديه، وتكن له نوعاً من العداء أو الثأر أو فلنقل افتقاد المودة. تشيع بين الكثير منا آفة مفادها: ما العمل الذى يتطلب أقل مجهود ممكن ويضمن أكبر مكسب متاح؟

ودون شعارات لا معنى لها أو كليشيهات لا طائل منها، كم فى المائة منا يتمنى أو كان يتمنى أن يكون «أسطى» حرفة ما؟ والمقصود بـ«أسطى» هنا هو الإلمام الكامل والشامل بأصول الصنعة أو الحرفة أو المهنة، إلماماً قائماً على دراسة لا فهلوة، وشغف لا اضطرار، ورغبة فى الإنتاج لا «كلشنكان»؟

الربط بين قيمة العمل الحقيقى لا «كده وكده» وبين ما جرى فى مصر وما كشفت عنه الأحداث فى عام 2011 يعود إلى الكشف عن ترد واضح أصاب قيمة العمل ومفهومه.

وأسبق أصحاب الحجج الواهية والأعذار السخيفة ممن يبررون ضعف إيماننا بقيمة العمل والذين يبررونه بـ«أصله غلبان» أو «فقير» أو «مسكين»، وأقول إن عذر الغلب كاد يصيبنا فى مقتل. هذا استولى على الرصيف لأنه غلبان، وذاك قرر أن يهيمن على ركن السيارات فى الشارع لأنه مسكين، وهذه احترفت التسول لأنها مهيضة الجناح، وهؤلاء اعتبروا أنفسهم أصحاب حق مطلق فى مد أياديهم فى جيوبنا بأشكال غير مباشرة لأنهم غلابة والقائمة تطول.

إصلاح منظومة العمل لن تتم عبر وزارة تكون مسئوليتها تعيين الملايين من خريجى كليات التجارة والآداب والحقوق والتربية فى وظائف مكتبية، أو بكتابة مقولات مأثورة عن أهمية العمل على جدران المدارس وكراسات التلاميذ، أو بتخصيص فقرة فى برنامج أو فتوى فى دار الإفتاء عن مكانة العمل فى الدين. إصلاح منظومة العمل تبدأ فعلياً وحرفياً وعملياً بزرع قيمة العمل ومحاربة آفة الفهلوة والقضاء على عذر الغُلب فى التعليم، مروراً بالأسرة حيث القدوة والتنشئة، والقوس مفتوح.

وعلى سيرة الفتح، أحاول جاهدة تأريخ بدايات تحريم قيام أتباع هذا الدين بالمعايدة على أتباع ذاك الدين، ولا أعرف -أو بمعنى أدق لا أريد أن أتذكر- كيف تسلل هذا الفكر السرطانى إلينا، ولكنى أعرف يقيناً لماذا. وبعيداً عن متى، وكيف، ولماذا أقول إن من يشيع تحريم المعايدة لا يستحق المواطنة، وإن من ألغى عقله وأغمض عينيه وسد أذنيه عن المنطق وآمن بأن التفوه بعبارة «كل سنة وأنت طيب» (المستخدمة فى غير أغراض التسول) تنتقص من تدينه عليه أن يراجع نفسه، ويسترجع عقله.

وبمناسبة الحديث عن العقل، هل يعقل أن تكون هناك فئة ليست قليلة من الشباب والشابات من المتعلمين، بمعنى يحملون شهادات مثل الثانوية العامة والدبلومات، ويعتقدون فى العام الـ24 من الألفية الثالثة، أن الصحافة هى علم الفراسة، أو يتعجبون أن هناك من يعمل صحفياً محترفاً بمعنى أنه يبحث عن الخبر، ويجرى حواراً «ماسك نفسه» (بعيداً عمن يحمل هاتفاً محمولاً ويصور فستان فنانة فى جنازة أو يستفز فناناً فى عزاء كنوع من السبق الصحفى)؟

سلمنا بأن مسألة شراء صحيفة ورقية ومطالعتها فى الترام أو فى البيت أو فى المقهى باتت حكراً على فئة عمرية معينة، لكن أن يصل الأمر لدرجة ألا يعرف الشاب أو الشابة ما تنطوى عليه مهنة الصحافة، فهذا أمر مثير للضحك، لكنه ضحك كالبكاء، لا سيما حين يُسأل الشاب: وكيف تعرف أخبار الدنيا؟ فيجيبك بإحدى مصيبتين، إما: من التيك توك وما يرسله إليه أقرانه من فيديوهات، أو «مش عايز أعرف».

ولأن الشىء بالشىء يذكر، هل أنا وحدى من يشعر بأن هذا النبع المعرفى العظيم الذى تمكنت مصر من توفيره، وأتاحته لكل مصرى ومصرية، والمسمى بـ«بنك المعرفة» أصبح أشبه بالكنز المدفون؟ ألا يستحق أن يكون فى صدارة المشهد وفى القلب من سعينا لنلحق بما فاتنا من معرفة علمية حقيقية، لا بحث عن الجن الذى يتزوج الإنس، أو حكم المرأة التى تزور أمها دون علم زوجها، أو كيفية رد المطلقة وجلب الحبيب؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيد العمال مظلوم عيد العمال مظلوم



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates