بقلم: فاطمة ناعوت
«شلبى».. فيلمٌ جميل من إخراج الطبيب المبدع «بيتر ميمى»، إنتاج عام ٢٠٢٢، يُعرضُ الآن على منصّات المشاهدة، حرىٌّ به أن يُضاف إلى «رف الخوالد» فى مكتبة السينما المصرية. فيلم إنسانىٌّ خفيف الروح، يثبتُ أن «الحبَّ» الذى يجمع بين قلوب البشر هو طوقُ النجاة الأوحد، فى بحر عنيف متلاطم الأمواج، تصطرع فيه همومُ الحياة وكوارثها، فينتصرُ عليها «الإنسانُ» الأعزلُ إذا ما تسلّح فقط بـ«الحب» الذى يواجه المحنَ والنوازلَ مهما تجبّرت وتشرّست. مادام هناك مَن يُحبُّنا ويدعمنا ويقفُ إلى جوارنا، ففى الحياة ما يستحقُّ أن يُعاش.
مجموعة من البشر «الـ ولا حاجة»، كما يطلقون على أنفسهم، كونهم من البسطاء المُهمّشين الذين لا تشعر بغيابهم إن غابوا، مثلما لا تشعر بحضورهم إن حضروا. لكنهم، بقلوبهم الطيبة، وتضحياتهم النبيلة، وخوضهم الأهوال من أجل إنقاذ طفلة بكماء، من أبناء الناس «الـ ولا حاجة»، يثبتون أنهم «الـ كل حاجة» فى هذا العالم الجامح الجامد المتنمّر الشرس.
الفيلم قصة الطبيب الفنان «بيتر ميمى»، ومن إخراجه بالطبع، وتأليف «مصطفى حمدى»، وبطولة الكوميديان الجميل «كريم محمود عبدالعزيز»، الذى ينطق بأعقد الجمل الكوميدية، ببساطة مَن يتنفسُ الكوميديا. وتشاركه البطولةَ النجمة الجميلة «روبى»، التى تُبدع فى أداء أصعب الأدوار وأعقدها، (مثل أدائها العبقرى فى مسلسل «سجن النسا»)، مثلما تُبدع فى الأدوار اللايت-كوميدى كما جسّدت فى فيلم «شلبى» دورَ الأم البسيطة المغدورة من الزوج النذل، والمكلومة على طفلتها التى فقدت النطق حينما شهدت بعينيها مصرع كلبها الصغير، الذى كان لها بمثابة «كل الأصدقاء»، إثر مشادة تحولت إلى معركة بين أمها وأبيها. الأم الشابة «سعدية/ روبى» تدير «بانسيون» بسيطًا يسكنه ثلاثة من البسطاء غير المتحققين، الذين يحلمون بالنجاح فى مجال الفن، لكنهم يخفقون المرّةَ تلو المرّة. «صابر»، أدى دوره النجم «كريم محمود عبدالعزيز»، وهو فنان العرائس الذى صمّم عروسة ماريونيت أطلق عليها اسم «شلبى»، وضع على لسانه جميع أفكاره ورسائله إلى العالم، وظل يحلم بعمل مسرحية استعراضية للعرائس يكون بطلها عروسته «شلبى»، لكن ينتهى به الحال «بلياتشو» تعسًا فى إحدى دُور الملاهى المغمورة. ويجاوره فى سكنى الغرفة «شريف جزرة/ حاتم صلاح»، وهو شاب مهووس بحلم أن يصبح ممثلًا ناجحًا، لكنه يتلعثم فى تجربته الأولى أمام الجمهور العريض فى مسرحية «عطيل»، مثلما لم ينجح فى أداء أىٍّ من الأدوار القليلة التى كانت تُعرض عليه بسبب عدم الثقة بالنفس، حتى ينتهى به الحالُ يائسًا محطّمًا. وفى غرفة ثالثة يسكن «فؤاد السويسى/ بيومى فؤاد» الذى يعيش فى دور الكاتب الروائى، لكنه بعدُ لم ينجح فى تحقيق حلمه رغم تبديد ثروته على حلمه، إلى درجة أن ابنه العاقّ قام بالحجر عليه، فصار رجل أعمال ثريًّا، يجحد أباه الذى صار فقيرًا مكتئبًا انتهى به الحال فى بانسيون سعدية، وراح يبنى عوالم شخصيات رواياته الوهمية فى غرفته المريبة، إلى درجة أن ظنّه نزلاء البانسيون قاتلًا متسلسلًا!. تختلف الأحلامُ المجهضة عند الفنانين الثلاثة، لكنهم يجتمعون على حب الطفلة البكماء «كارما»، التى أدّت دورها «لافينيا نادر»، فيخوضون المخاطرَ من أجلها، ويلتقى معهم فى الحلم النبيل ذاته جميعُ البسطاء من الجيران الطيبين: «سليمان عيد، محمد رضوان، عبدالباسط حمودة، نانسى صلاح، حسام الفحام»، وحتى الابن الجاحد يرقُّ قلبه ويؤمن بنبل مقصدهم ويتعاون معهم، فيقوم بإنتاج مسرحية جمهورها من الأطفال اليتامى، وبطلها العروسة «شلبي» والطفلة الموهوبة «سيليا محمد سعد»، حتى تعود الكلماتُ إلى لسان الطفلة البكماء «كارما». روح الفيلم الجميلة تُذكرك بفيلم «شارع الحب»، حين ينجح الحبُّ فى صنع المعجزات فى الشارع الفقير الذى يسكنه البسطاء. شكرًا للفن الراقى الذى يعلّمنا القيم الجميلة مما فاتنا أن نتعلّمه على مقاعد الدرس.
***
ومن نُثارِ خواطرى
***
(موسمُ الشدو)
فى مواسم الشَّدوِ
والحُبِّ
يخرجُ الطيبون
من كهوفِ الجبال
يوزّعون خبزَ الله
على أطفالِ الحىّ الصامتين
فـ يصطفُّ البشرُ
على حوافِّ الأفقِ الحزينْ
ويفتحون صدورَهم
لكى يدخلَ
رحيقُ الزهرْ
إلى القلوب الكسيرة
فتنطلقُ الحناجرُ
بالغناء
والفرح.