بقلم: فاطمة ناعوت
مثل زهرةٍ مُشرقة، تجلّت فى فستانها الأبيض وهى تُلوّح للجماهير المحتشدة حول جلال تاريخها الفنى الثرى، فى حفل افتتاح «المهرجان القومى للمسرح المصرى». سميحة أيوب. الكلمتان السابقتان ليستا اسمَ عَلَمٍ فى «إسنادٍ» ينقصه الفعلُ والفاعلُ ليغدو «جملة مفيدة»، بل هما معنًى مكتملٌ تمامَ الاكتمال. فيكفى أن تقول «سميحة أيوب»، وفقط، ليمرَّ أمام عينيك شريطٌ سينمائى مسرحى غنى بوجه امرأةٍ مليحة القسمات، تراها أرستقراطيّةً بشَعر قصير «آلا جارسون» تارةً، وشعبيّةً بشَعر طويل معقوص فى «منديل بأوية» تارةً، وغجريّةً بشَعر مُسدل تارةً أخرى. تتحدثُ الفصحى الرصينةَ كسيدة ذات كعب ثقافى عالٍ تارةً، وتنطق الدارجة العامية تارةً، وتتلمّظُ بحوشى الكلام السوقى تارةً أخرى، وفق ما يتطلّبُ الدورُ الذى تؤديه ببراعة على خشبة المسرح أو أمام كاميرات السينما والتليفزيون. هى منجمٌ فنى غنى محتشدٌ بالجواهر الثمينة والأحجار الكريمة واللآلئ، فى حقل مصر الفنى الخالد. كانت أمى تكافئنى، إذا ما تفوقتُ فى المدرسة وحصلت على المركز الأول، بحضور عرض فى «المسرح القومى»، أبطالُه «سميحة أيوب»، أو «عبدالله غيث»، أو «سهير المرشدى» أو«أشرف عبدالغفور»، وغيرهم من علامات المسرح المصرى العظيم، أحد أهرامات مصر الشاهقة.
شكرًا للفنان الجميل: «محمد رياض» على اختياره سيدة المسرح «سميحة أيوب» لتكون الواجهة الشرفية للدورة 17 من «المهرجان القومى للمسرح المصرى» الذى حضرنا حفل انطلاقه أمس الأول 30 يوليو فى المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية.
من علامات الحفل الفارقة، الإعلامية المثقفة «رغدة بكر» التى قدّمت الحفل باحترافية مدهشة. ومن أجمل سمات الحفل وأكثرها مَسًّا للقلوب، تقديمُ كلِّ فنانٍ مُكرَّم فى المهرجان، بكلماتِ فنانٍ آخرَ، تُلخّصُ تاريخَه الحافل بالفن والعطاء. فلم يكن هذا وحسب ثراءً مُضاعفًا للحفل، بل كان سمةً من سمات المسرح المصرى العريق؛ وهو روح الحب والنبالة التى تربطُ بين صُنّاعه. الفنانُ الجميلُ «محمد محمود» قدّم الفنانَ الجميلَ «أحمد بدير»، وقدّم الجميلُ «صلاح عبد الله» الجميلين «أحمد آدم» و«أحمد الإبيارى» الذى أهدى بدوره تكريمَه إلى جميع «آل الإبيارى» من كتّاب المسرح ومنتجيه، والجميلة «رانيا فريد شوقى» قدّمت الجميلَ «عزت زين»، وقدّم الجميلُ «أحمد فؤاد سليم» الجميلَ «أسامة عباس»، وقدّمت الجميلة «مادلين طبر» الجميلَ «عبد الله سعد»، والجميلُ «حسن العدل» قدّمه الجميلُ «طارق النهرى»، وقدّمت الجميلةُ «جميلة عوض» مصمم الاستعراضات الجميلَ د. «عاطف عوض»، وقدّم الجميلُ «أحمد كمال» الجميلةَ «سلوى محمد على» التى استعرضت لنا أرشيفًا بانوراميًّا لتاريخ المسرح المصرى تذكّرت خلاله أساتذته وأسطواته خلال نصف قرن. وفى الختام قدّمت الجميلةُ «إلهام شاهين» جميلةَ المسرح والفن المصرى الأستاذة «سميحة أيوب» بعد فيلم توثيقى درامى قصير ودسم من إخراج «أشرف فايق» عن تاريخها الغنى على خشبة المسرح القومى الخالد. قدّم دروعَ التكريم وزيرُ الثقافة الفنان الدكتور «أحمد فؤاد هنو» مع النجم المحترم «محمد رياض» الذى نشكره على رئاسة المهرجان وخروجه بهذا الشكل المشرف، ونعدُ أنفسنا بعروض مسرحية فائقة ترقى للمستوى العالمى.
المسرحُ مدرسة خطيرة نتعلّم منها ما فاتنا أن نتعلّمه على مقاعد الدرس. وأجمل ما أختتم به مقالى مقتطفٌ من مسرحية «الإنسان الطيب» تأليف «برتولت بريخت» وبطولة العظيمين: «عزت العلايلي» و«سميحة أيوب»، التى جسّدت فيها دورى: «رجل وامرأة» معًا.
***
«إنسانُكم الطيب هو أنا.. ألا أن عالمَكم مستحيلٌ بكلِّ ما فيه من ناقصاتٍ وكلِّ ما فيه من تعجيز. ذراعٌ تُمدُّ للجائعين تُعضُّ وتُنهشُ من فورها. ومَن يمنحُ العونَ للضائعين. يضيعُ بدورِه. ومَن ذا الذى يستطيعُ التروّى. وكبحَ جماحِ الغضبْ، وبالقربِ منه يموتُ الجياع؟... هنالك شىءٌ بعالمِكم أيها النيّرون غلط. لماذا يفوزُ الجُناة بحُسن العواقب. والخيرّون لهم كلُّ هذا الشقاء؟.. نشأتُ ولى نظراتُ تشقُّ الحُجُب، ورقّةُ قلبٍ تجرُّ علىّ الألم. وفى البَدء كنتُ أحسُّ بغضبةِ ذئبٍ لمرأى التعاسة. ولكن رويدًا رويدًا شعرتُ بطبعى يتحوّل. وصارت شفاهى حازمةً صارمة. وأصبحَ طعمُ الكلامِ الرحيمِ بحلقى مُرًّا كطعم الرماد... خُذونى بذنبى. فكلُّ جريمةٍ اقترفتها يدى كنتُ أبغى بها معونةَ جارى وحبَّ حبيبى. وإنقاذَ طفلى من النومِ دون عشاء. أجل أيها الآلهة. لقد كنتُ شيئًا شديدَ الصغر. أنا الكائنُ البشرىّ الضعيف. أمام مشاريعِ حضراتِكم».