خيال «صلاح دياب»

خيال... «صلاح دياب»

خيال... «صلاح دياب»

 صوت الإمارات -

خيال «صلاح دياب»

بقلم: فاطمة ناعوت

«الخيالُ أهمُّ من المعرفة. فهو استشراف المستقبل لخلق الحياة»، هكذا قال «أينشتين»، الذى بلغ من «المعرفة» مبلغًا جعله يهدم مُسلّمات فيزيائية اتفقت عليها البشريةُ؛ فما عادت «الكتلةُ والمكانُ والزمانُ» ثوابتَ يمكن قياسُها، بل «نسبياتٌ» تختلف من ظرفٍ إلى آخر. فلو وُلد طفلان توأم فى نفس اللحظة، وسافر أحدهما إلى المريخ وبقى الآخر على الأرض، ثم التقيا بعد ثمانين عامًا، سيكون أحدهما صبيًّا صغيرًا والآخر كهلًا هَرِمًا. فالزمان والمكان نسيجٌ هيولى راقصٌ متشابك، لا قِيمًا قياسية ثابتة منفصلة. تصوّروا عقلًا على هذا المستوى المذهل من «العلم»، يرى أن «الخيال» أهم من «المعرفة»؟! لا عجبَ! فالمِخيالُ الجامحُ يحلّقُ خارج صندوق المعرفة المحدود، فيرى ما لا تراه الأبصار. ولهذا يقول «برنارد شو»: (أنتم ترون الموجود وتقولون: «كيف هذا؟»، أما أنا فأرى ما ليس موجودًا، وأقول: «ولم لا؟!»). جميعُ ما نرى من ابتكارات مدهشة كالطائرة والصاروخ والهاتف والكاميرا والمطبعة، ومن إعجازات فكرية كالنسبية، وميكانيكا الكمّ، ومعادلة ريمان، ومن مُدهشات أدبية وفنية، صانعُها: «الخيال».

لهذا أدهشنى الحوارُ المميز الذى أجراه الزميل «مصباح قطب» مع المهندس «صلاح دياب» على صفحات «المصرى اليوم» بتاريخ ٨ أكتوبر ضمن سلسلة «حوارات الأسئلة السبعة» التى تُجريها الجريدةُ تِباعًا مع خبراء الاقتصاد والصناعة المرموقين، فى جلسات عصف ذهنى للوقوف على رؤى خلاقة تواجه الأزمة الاقتصادية الراهنة. استهلّ حديثه بتسليط الضوء على جوهر المشكلة. إنه «نقصُ الخيال، وعدم القدرة على تحقيقه إن وُجد». فالمشاكلُ الكبرى مستحيلٌ حلُّها بالطرق التقليدية، بل يلزمُها سِعةٌ من الخيال المرن، يبتكر أبجدياتٍ جديدةً وخططًا للحلّ من «خارج الصندوق»، ثم يلزم بعدئذ امتلاك إرادة تحويل الخيال إلى واقع. قدّم «صلاح دياب» سبع أفكارٍ ثمينة، هى حصاد خبرته الطويلة فى عالم الصناعة وريادة الأعمال، يمكن استثمارها فى بلدنا، فقط لو بدّلنا وضع المنظار فوق عيوننا، لنرى بعين الخيال طرائقَ مبتكرة بوسعها تحويل المشكلة إلى رغد، فى أصعدة كثيرة مثل: «السياحة والفندقة»، و«الطاقة»، و«الزراعة» و«طرق الرى»، و«القطاع الخاص»، واستثمار «العقول المهاجرة». فى مجال النهوض بالسياحة والوصول إلى معدلات تليق باسم مصر، نصطدم بحاجتنا إلى عشرات الآلاف من الغرف الفندقية لاستيعاب الدفق السياحى المنشود الذى تحاول الدولة تحقيقه. هنا يخبرنا «الخيالُ» أن بوسعنا استغلال الوحدات الشاغرة فى الساحل الشمالى التى تتعطّل طوال أيام الدراسة، وهذا من شأنه كذلك تشغيل المحال التى تُغلق طوال فترة الشتاء. وفى مجال التصدير الزراعى يقول «الخيالُ» إن أولوية تأجير الأراضى الزراعية الجديدة يجب أن تكون من نصيب «المُصدّرين» الزراعيين الذين بوسعهم زراعة محاصيل غير تقليدية تناسب ظرفنا المناخى لاجتياح الأسواق العالمية. هنا يمكن أن تجتاز الصادرات الزراعية حاجز الأربعة مليارات دولار إلى المليارات العشرة. كما أشار «دياب» إلى أن مشكلة الماء الراهنة لدينا تستوجب أن نعيد النظر فى فكرة «الرى بالغمر» المتوارثة منذ آلاف السنين ولم تعد صالحة اليوم فى ظل شُح المياه، ويجب تحويلها إلى «الرى المرشّد» حتى تزيد الرقعة الزراعية من ١٠ ملايين فدان إلى أضعاف هذه المساحة. ويمكن لمشروع «حياة كريمة» أن يجرّب ذلك فى محافظة تكون نموذجًا قابلًا للتكرار. وأشار رجل الأعمال «صلاح دياب» إلى فرصة تحويل منطقة الهرم ونزلة السمان إلى منطقة جذب سياحى بمعايير عالمية، وليكن اسمها «إيجى لاند»، نستعين فيها بخبرات شركة «ديزنى لاند» مثلًا لتنظيم رحلات وجولات حضارية محترمة فى المتحف الكبير والمنطقة الأثرية المحيطة، لئلا نترك السياح طرائدَ بين أنياب مافيا الجهلاء، الذين يعاملون السياح بوصفهم أكياس نقود متحركة يجب افتراسها، دون تقديم خدمة سياحية ومعرفية حقيقية تليق بتاريخنا العريق.

ومن بين ما أثار المهندس «صلاح دياب» فى حواره الطويل الشيّق، فكرة استثمار «العقول المهاجرة»، مشيرًا إلى نماذج مصرية مهمة مثل: د. «يوسف بطرس غالى» الذى صنع طفرات اقتصادية هائلة فى عديد من دول العالم، وصار مستشارًا اقتصاديًّا عالميًّا لدول الشرق والغرب، واختير اليوم ضمن التشكيل الجديد للمجلس التخصصى للتنمية الاقتصادية، و«محمد لطفى منصور»، وزير النقل الأسبق، الذى منحته بريطانيا لقب «سير»، والمهندس «رشيد محمد رشيد»، وزير الصناعة الأسبق، و«محمود محيى الدين»، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، والمدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى، وغيرهم من الطيور المصرية المهاجرة التى يجنى العالمُ ثمارَ عقولها النيّرة، ومصرُ أولى بتلك الثمار. وتذكّر بحسرة رجال صناعة مميزين غادروا مصر مثل «ياسين» فى الزجاج، و«قسمة والشبراويشى» فى العطور، و«عبداللطيف أبورجيلة» فى الحافلات والنقل، و«عبدالفتاح اللوزى» لغزل الحرير، وغيرهم ممن وُئدت صناعاتُهم التى لو كُتب لها الاستمرار لكانت اليوم براندات عالمية.

من الصعب تلخيص حوارٍ جادٍّ ومُلهِم، يجب أن يُقرأ بعناية وتُفنَّدَ أفكارُه النيّرة على طاولة البحث والدراسة، عسى «الخيالُ» يتحول إلى «رغد مُعاش».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيال «صلاح دياب» خيال «صلاح دياب»



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates