«سُميّة رمضان» والذين معها
آخر تحديث 22:08:31 بتوقيت أبوظبي
الاثنين 17 شباط / فبراير 2025
 صوت الإمارات -
أخر الأخبار

«سُميّة رمضان».. والذين معها

«سُميّة رمضان».. والذين معها

 صوت الإمارات -

«سُميّة رمضان» والذين معها

بقلم: فاطمة ناعوت

 

صديقتى «سُميّة رمضان»، حين تلتقين بهم اليومَ فى فردوس الله البهىّ العلىّ، أبلغيهم حبى وزهرة. أولئك الذين جمعوا بيننا، ومنهم من كان سببًا فى تعارفنا والتقائنا على حبّهم. «فينسينت»، «فرجينيا»، «حسين»، «شمس».

- «فينسينت»: قبل نحو عشرين عامًا، دقَّ هاتفى وسمعت صوتًا رقيقًا يقول: «أنا اسمى »سمية رمضان«، قرأتُ لك ترجمةً عربيةً جميلة لقصيدة Vincent التى كتبها وغنّاها »دون ماكلين«، وأود استئذانك فى تدريسها لطلابى فى الأكاديمية». وافقتُ من فورى. وبدأت صداقتُنا، وتعرفتُ على أجمل إنسان يمكن أن تصادفه فى حياتك: ثقافةٌ وبساطة، قوةٌ ورقّة، علمٌ وعذوبةٌ. ومنذئذ صرتُ مَدينةً للفنان الهولندى العظيم «فينسينت فان جوخ»، أن كان سببًا فى تعرّفى على تلك الجميلة. وحين رحلت «سمية» بالأمس، راجعتُ بين دموعى رسائلَنا؛ فوجدتُ من بينها رسالةً تخبرنى فيها أن ابنها، حين يودُّ أن يدلّلها كأم جميلة، يمسكُ جيتاره ويعزف عليه أغنية Vincent.

- «فرجينيا».. حين شرعتُ فى ترجمة أعمال البريطانية الساحرة «فرجينيا وولف» للعربية عام 2001، لصالح «المجلس القومى للترجمة»، فكرتُ ألا أكتفى بقراءة أدبها بالإنجليزية، ووددتُ أن أطالعَ، على عُجالة، بعضَ ما تُرجم لها بالعربية، نظرًا لصعوبة البناء القصصى والروائى عند «وولف»، وتعقيد التركيب اللغوى لديها، ومزجها الواقع بالخيال، واستخدامها تقنية «الالتفات فى الضمائر»، وأنسنة غير العاقل فى الضمائر، وانتهاجها أسلوب «التداعى الحر للأفكار»، وغيرها من التقنيات الأدبية المعقدة التى وسمت أدب «فرجينيا وولف» بالتعقيد والصعوبة والغموض. هذا إلى جانب إصابتها بـ«اضطراب ثنائى القطب Bi-Polar Disorder» ما جعلها فى حياتها وأثناء الكتابة تخلط بين الواقع والخيال، وانتهى بانتحارها غرقًا عام 1941. بحثتُ فى المكتبات عن ترجمات لها، فلم أجد. لجأتُ للعظيم د. «محمد عنانى»، شيخ المترجمين، فضحك قائلًا: (الناس بتهرب منها يا حبوبة! نعمل إيه وأنت اخترتى حارة سد!. فرجينيا وولف بتخوّف! Who›s Afraid of Virginia Woolf)... ثم قهقه قهقهته الجميلة الشهيرة، وتوقف فجأة كأنما قد تذكر شيئًا، وقال: (بس فيه ترجمة لمقالها: A Room of One›s Own اللى كتبته عام 1929 ترجمته «سميّة رمضان» فى كتاب عنوانه: «غرفة تخصُّ المرءَ وحده»، ابقى بصى عليه). وحصلتُ على الكتاب الصغير الجميل. ولم أعش فقط مع نقمة «فرجينيا» على أسرتها الثرية التى منعت ذهابَها إلى المدرسة والجامعة كعادة الأسر الفيكتورية فى بدايات القرن الماضى، بل تعرفتُ كذلك على الجميلة «سُمية رمضان» من خلال عذوبة لغتها وحلولها النفسى فى مأساة «فرجينيا وولف». هنا

تأكدتُ أن خيوطًا سحرية تربط بينى وبين هذه الوادعة التى فقدتُها بالأمس. وأصدرتُ بالعربية ترجماتٍ عديدة لـ«فرجينيا وولف»، فى طبعاتها الجديدة سوف أحرصُ على إهداء بعضها لـ«سمية رمضان».

«حسين»... هو الاستثنائى «حسين بيكار»، الفنان التشكيلى المصرى العالمى الذى لم يأتِ مثله فى كل الدنيا، ولن يأتى. لم يشرّفنى الزمانُ بلقائه، غير أن عشقى للوحاته وكفاحه ووطنيته يحتلُّ قلبى وعقلى منذ طفولتى. من بين جواهره النفيسة لوحة لامرأة جميلة ترتدى فستانًا أبيضَ، عقصت شعرها الأسودَ فى ذيل حصان بـ فيونكة سوداء. تقف السيدةُ بروفايل، وتنظر جانبيًّا نحو شىء ما بعينيها السوداودين الساحرتين بنظرة تجمع بين الفرح والحزن. هذه الجميلة هى «سمية رمضان» التى كان «بيكار» يعتبرها ابنته الروحية، ورسم لها هذه اللوحة الساحرة عام 1990. وكان عشقُنا لهذا العظيم خيطًا جديدًا يربط بيننا.

«شمس».. هو «شمس الدين التبريزى»، الدرويش العارف المتصوف الذى علّم مولانا «جلال الدين الرومى» عشقَ الله والذوبان فى جمال نوره وفيوض رحماته. كانت «سميّة» تُزيّن صدرها طوال الوقت بـ«بروش» من النحاس يصوّر درويشًا فى تنورته يرقص «المولوية»، أرى فيه دائمًا «شمس التبريزى» رفيق دربى. وهذا خيط جديد يشدُّ وثاق قلبى نحو قلب الجميلة.

أولئك أصدقاؤنا الذين تُجالسُهم الدكتورة «سُميّة رمضان» اليومَ فى فردوس الله الأعلى، فيا حظّها الجميل! ويا حظَّهم أن تنضمَّ إلى مجلسهم الغنىّ زهرةٌ مصريةٌ مشرقة مثل هذه السيدة التى اجتمع على حبّها الناسُ جميعُهم.

حين اشتدَّ عليها المرضُ تمنيتُ لقاءها مع صديقتنا المشتركة الدكتورة «سوسن حسنى»، لكن الجميلةَ قالت إنها تودُّ الاختلاءَ بنفسها، والتهيؤَ للقاء الله. كانت شديدة الفرح بالموعد الوشيك مع الرحمن الرحيم، ولا تريد أن تمسَّ ذاك التهيؤَ الروحىَّ بلقاء بشر. عاشت فى هدوء ورحلت فى هدوء، من النور جاءت، وإلى النور تمضى. وداعًا حزينًا يا «سُميّة» السامية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«سُميّة رمضان» والذين معها «سُميّة رمضان» والذين معها



GMT 03:50 2025 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

لبنان: برنامجا استكمال الهزيمة أو ضبطها

GMT 03:49 2025 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

الرياض عاصمة العالم... مرة أخرى

GMT 03:49 2025 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

رسائل في جيب الملك

GMT 03:47 2025 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

أبجدية بلا كتّاب

GMT 03:47 2025 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

الضباب الأميركي... والسنة الإيرانية

GMT 03:45 2025 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

موجبات الرد العربي على التهجير

GMT 03:45 2025 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

مروان حمادة... ليلة بوح في المزة

GMT 03:44 2025 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

وسطاء الصفقات «بُدلاء» ترمب عن رجال الدولة

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 17:36 2019 الأحد ,11 آب / أغسطس

تجد نفسك أمام مشكلات مهنية مستجدة

GMT 17:31 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

نسرين قطروب تُثير الجدل بين جمهور سعد المجرد

GMT 15:57 2012 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

القردة أيضًا تعاني من أزمة منتصف العمر

GMT 14:57 2016 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

سلمى حايك تبدو أصغر من سنواتها الخمسين في " LACMA"

GMT 14:59 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ليدي غاغا ترتدي بدلة بيضاء جذابة في حفلة خيرية

GMT 09:57 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يهبط بفعل المخاوف من موجة كورونا ثانية

GMT 18:14 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 13:52 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

صدور طبعة ثانية من رواية "إيميلات تالى الليل"

GMT 19:50 2013 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مطعم يقدم برغر مجاني لـ320 ألف موظف أوقفهم البيت الأبيض

GMT 21:37 2015 الجمعة ,02 كانون الثاني / يناير

ياسمينا تفوز بثقة أعضاء لجنة تحكيم "أراب جوت تالنت"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates