بقلم: فاطمة ناعوت
حينما يتركُ الإنسانُ وطنَه ويهاجر إلى بلد بعيد، غالبًا ما تموت داخله قطعةٌ نابضةٌ من قلبه. لا تموت فورًا، بل تأخذُ فى الخفوت بهدوء ودون جلبة، رويدًا رويدًا، مع مرور الأيام وتعاقب السنوات، حتى تموتَ تمامًا، فلا يعودُ المرءُ يذكرُ وطنَه، ولا يذكره الوطنُ. وحدَهم الأذكياء والوطنيون يقاتلون دون السماح لتلك الفِلذة الحية بالموات. أولئك الشرفاءُ تراهم يعيشون بأجسادهم فى المهجر، لكن قلوبهم فى أرض الوطن. أو بالأحرى يأخذون الوطنَ معهم، فهو يعيشُ فى قلوبهم. فتراهم يتابعون أخباره ويقرأون صحفه، ويشاهدون أفلامه ويسمعون أغانيه، ويشجعون مبارياته، وتجرحهم كلمة صغيرة تُقال عنه سلبًا، ولو مزاحًا. فالوطنُ الذى أعنى هنا، هو «مصر»، وما أعظمها من كلمة! وبعضهم يتجاوزون ما سبق خطوةً فيرسلون الأموال إلى الجمعيات الخيرية فى بلادهم، أو يشيدون مدارسَ لتعليم أبناء قُراهم. وبعضهم من أصحاب المواهب، يصنعون منابرَ إعلامية محترمة تخاطبُ أبناء وطنهم فى المهجر، لكيلا يخفُتُ لسانُ الوطن فى أرض الغربة، ولكى ينشأ الجيلُ الثانى والثالثُ فى المهجر غيرَ منبتِّ الصلة بالوطن الأم.
من أولئك تأتى هذه العروسُ الجميلة، الصحيفة المصرية الأمريكية: «كاريزما»، التى نُشعلُ شمعتَها السابعة فى الأول من نوفمبر ٢٠٢٤، وأقول لها على نغمات «محمود الشريف»: «٧ شمعات يا كاريزما، ٧ شمعات»، استعارةً من خالدة «محمد قنديل»: «٣ سلامات».
هذه الصحيفة الراقية، تصدر ورقيةً وإلكترونية أولَ كل شهر فى كاليفورنيا وعدة ولايات أخرى، وتُوزّع بالمجان على الجاليات المصرية والعربية والسفارات ودور العبادة والمكتبات. أصدرها ويترأس تحريرها إعلامى مصرى أمريكى من أولئك الذين يحملون مصر فى قلوبهم مهما سافروا واغتربوا. هو الصحفى والإعلامى «وائل لطف الله»، الذى تخرج فى كلية الإعلام قسم الصحافة جامعة القاهرة، وأعدّ دبلومات عديدة فى إعداد وتقديم البرامج الإذاعية والتليفزيونية وفنون الجرافيك والمونتاج والإخراج الصحفى والـ Voice Over وغيرها من فنون الإعلام. وبعدما امتدت خبرته الصحفية عشرين عامًا فى مصر ومختلف الدول العربية، قرّر إصدار هذه الصحيفة الأنيقة التى لا يتوقف جمالُها عند الاسم الأخاذ «كاريزما»، بكل ما تحمل من دلالات السحر، بل امتدت الأناقة إلى الإخراج الفنى الرفيع، ثم تجاوزته إلى ثِقَل المحتوى معرفيًّا وإعلاميا. يكفى أن نعرف أن رئيس التحرير قد حاور بنفسه على صفحات الجريدة قامات شواهق مثل: «السير مجدى يعقوب» أمير القلوب، لواء أ.ح. المهندس «باقى زكى يوسف» مبتكر فكرة هدم خط برليف، قداسة «البابا تواضروس»، «أديب جودة الحسينى» حامل مفتاح كنيسة القيامة بالقدس الشريف، البروفيسور «فؤاد غالى» أستاذ طب الخلايا الجذعية بأمريكا، الجميلة الراحلة «أنيسة حسونة»، النائبة والناشطة المعروفة، د. «سها جندى» وزيرة الهجرة المصرية، الموسيقار «هانى شنودة»، القنصل المصرى «لمياء مخيمر»، الفنان «سمير الإسكندرانى» ثعلب المخابرات المصرية، الشيخ «نبيل نعيم» مؤسس جماعة الجهاد السلفية، وغيرهم الكثير من مشاهير مصر والعالم فى مختلف المجالات، وكان لى كذلك حظُّ محاورتى على صفحات «كاريزما». كما أثارت «كاريزما» ما لا يُحصى من موضوعات وتحقيقات واستكتابات صحفية ثقيلة، تتجول بين هموم الوطن مصر، وهموم المهجر والعالم، من بينها «كيف تربى طفلك فى الغربة؟» استكتبت فيها كبار الأطباء المتخصصين. ومن بين كُتّاب صحيفة «كاريزما» أقلامٌ وازنة مثل: «محمد خير»، «أحمد الخميسى»، «روبير الفارس»، «لينا خورى» لبنان، «يوسف متى»، «طلعت رضوان»، «عادل عطية»، «مجدى عزيز»، بالإضافة إلى قلم رئيس التحرير «وائل لطف الله».
عدد شهر سبتمبر الحالى، وهو العدد رقم ٨٠، حمل غلافُه صورةً شديدة التعبير تُمثّل علم لبنان النازف والصامد فى وجه النيران تتوشحه فتاةٌ ملثّمة تنظر إلى السماء وفى عينيها صلابةُ الحقّ وقوةُ الإيمان به. تحية احترام لمصمم الغلاف.
لعلَّ أجمل ما قدّم قداسة «البابا شنودة» للوطن، أن شيّد فى مختلف بلدان العالم «كنائسَ مصرية»، تربط أبناء المهجر بوطنهم العزيز. فالكنيسة القبطية فى المهجر، ليست وحسب حيزًا مكانيًّا تُمارس فيه الشعائر الدينية، بل هى قطعة من مصر داخل جدران الكنيسة. فإن كنت مسافرًا واشتقت لمصر، ابحث عن الكنيسة القبطية. وما إن تدخل بابها تسمع اللهجة المصرية، وترى الابتسامة المصرية، وتتسلل إلى رئتيك روائحُ الأكلات المصرية قادمة من مطبخ الكنيسة. فكأنما زرع البابا الوطنى «مصر» فى أرجاء العالم. وهكذا يفعل من يشيدون منابر إعلامية محترمة تحمل اسم مصر ولسان مصر فى أرض المهجر.
تحية احترام لصديقى الإعلامى «وائل لطف الله» على هذا المنبر الإعلامى المحترم، الذى شيّده بمجهوده الخاص وعلى نفقته الخاصة، من أجل الحفاظ على القطعة النابضة داخله وداخل كل مغترب، لكى تظل نابضة صادحة باسم مصر. كل سنة وأنت أجمل يا «كاريزما»، وسبع شمعات وقبلة على جبينك الوضاء.