نصوم معًا صحن فول بالبيض

نصوم معًا... صحن فول بالبيض!

نصوم معًا... صحن فول بالبيض!

 صوت الإمارات -

نصوم معًا صحن فول بالبيض

بقلم: فاطمة ناعوت

 على روزنامة الزمان، تحدث مصادفاتٌ جميلة، فيتقاطعُ التقويمُ الميلادى مع التقويم الهجرى، ويبدأ صومُنا غدًا فى غُرّة شهر رمضان المعظم، مع صوم أشقائنا المسيحيين صومَهم الكبير لمدة ٥٥ يومًا. نختتمُ صيامَنا بعيد الفطر المبارك، ويختتمون صيامَهم بعيد القيامة المجيد، أعاد اللهُ علينا جميع الأعياد بمنتهى الخير والمحبة والسلام، وشعبنا الطيب فى رباط وتضامّ وحب، آمين.

وفى هذه المصادفة الطيبة دعونى أقصُّ عليكم حكايةً جميلة حكاها لنا المهندس «جوزيف عيّاد»، وهو صديقٌ من شلّة «نادى الرحاب»، عرّفنا عليه الصديقُ المهندس الجميل «فوزى فهمى برسوم». فى حى شبرا العريق الجميل. حين كان طفلًا، ذهب إلى «مطعم السنّى» لشراء بعض الفول والطعمية فى مثل هذه الأيام أثناء صيام القيامة المجيد. وكما هو واضح من اسم المحل، فإن صاحبه رجلٌ سنّى ملتحٍ. دخل المحلَّ زبونٌ مسلم، وطلب من النادل: «صحن فول بالبيض»، فجاء الحاجُّ «السنىُّ» واعتذر للزبون هامسًا: «سامحنا... إخواتنا المسيحيين صايمين، فمش بنعمل فول بالبيض لغاية ما يفطروا عشان آثار البيض بتفضل فى طاسة الطعمية». تصوروا الرقى وصلاح القلب عند هذا المسلم المتدين، الذى يراعى جيرانه ويحترم شعائرهم!، ولا حصر لمثل حكايات المحبة هذه من الطرفين. ويومًا ما، سأعكفُ على وضع هذه الحكايا فى كتاب، ربما يكون عنوانُه: «حكايات المحبة.. التى لا تسقطُ».

هذا شهرُ رمضان الذى يجلبُ لنا الطمأنينةَ والتوادَّ والرحمة. وفعلًا «رمضان فى مصر حاجة تانية»، كما كتب الشاعرُ «أمير طعيمة»، على نغمات الموسيقار «إيهاب عبدالواحد»، وأوتار حنجرة «حسين الجسمى» الآسرة. وطبعًا «السرّ فى التفاصيل». رمضان المصرىّ يُغرقُ الشوارعَ والحاراتِ وشرفاتِ البيوت بالزينات الملونة والفوانيس المضيئة. فى طفولتنا كنّا «نحوّش» القروش فى حصالاتنا، ثم نفتحها قبيل رمضان لنشترى الخيوط والورق والألوان وقنانى الصمغ والمقصات الصغيرة. نجتمع مع أطفال الجيران نقصقصُ ونلونُ ونلصقُ ثم نمدِّدُ أمتارَ الخيوط بالبهجات والفرح. ثم نطرقُ أبوابَ الحىّ لكى يسمحوا لنا بتعليق فروع الزينة من بلكوناتهم إلى البلكونات المقابلة. وحين يحلُّ المساء، نحمل فوانيسَ الزجاج الملون والشموع المضيئة، وننزل مع أطفال الجيران نغنى «وحوى يا وحوى إياحا. حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو». وصلتنا كلماتُ الأغنية من الجد المصرى القديم حين كان الأطفالُ يغّنون للقمر إذا غاب: وحوى= رحل، إياحا= القمر، حالو= أهلًا. ومنذ العصر الفاطمى صارت الأغنيةُ الفلكلورية أنشودةَ استقبال رمضان. وتقولُ رواياتٌ أخرى إن الملكة المصرية «إياح حتب» هى والدة «أحمس»، المقاتل الجسور، طارد الهكسوس من مصر. بعد النصر ذهب المصريون إلى قصرها يهنئون الملكةَ الأم ويغنون: «واح واح إياح»، أى: «تعيش تعيش إياح»، وظلّت تلك الأنشودة خالدة على ألسن المصريين حتى العصر الفاطمى، غنّوها حين صنع المصريون أولَ فانوس لإضاءة الشوارع مُستقبلين شهر رمضان.

فى طفولتنا لم نكن نعلم أن الأطفال الذين صنعوا معنا زينات رمضان كانوا أبناء جيراننا المسيحيين. كانت الحياة بسيطة ونظيفة؛ يجمعنا الحبُّ ولا تفرّقنا الطائفية. ولا شىءَ قادرٌ بإذن الله على تمزيق وشائجنا المجدولة بخيوط المحبة.

فقط فى مصر الجميلة، يقفُ شبابٌ وصبايا على قارعات الطرق، يقدمون لك الماء والتمر مع أذان المغرب. وأحيانًا تجد داخل كيس التمر ورقةً صغيرة مكتوبًا عليها: «كنيسة كذا تتمنى لكم صومًا مقبولًا وإفطارًا شهيًّا». شبابٌ مسيحيون يقومون بهذا الطقس الجميل لكى نكسر صيامنا مع الأذان على تمور مصر الطيبة.

ومازلت أذكرُ بكل الفرح ذلك الصليبَ الأزرق الصغير المرسوم على رُسغ يد طيبة قدّمت لى حبّة تمر لأكسر بها صيامى فى رمضان عام ٢٠١٣، يوم الجمعة ٢٦ يوليو، أمام «قصر الاتحادية»، حين خرجنا جميعًا، نحن المصريين، نطالبُ الجيشَ المصرىَّ بمواجهة الإرهاب. كنتُ جالسةً فوق المنصّة مُنهكةً من الصيام والعطش والهتاف فى الحشود. وحين أذن المغربُ قُدمت لى زجاجةُ ماء وتمرةٌ من يدٍ مصرية، رفعتُ بصرى، فإذا بفتاة صبوح تقول لى: «اتفضلى اكسرى صيامك»، فنهضتُ وعانقتُها. هكذا كنّا، واحدًا صحيحًا لا ينفصم، وسوف نظلُّ إلى نهاية الزمان.

يزورنا رمضانُ هذا العام، ومصرُ قد تعافت من ظلال الإرهاب والطائفية التى وخزت قلبَنا عقودًا وسنواتٍ، لا سمح اللهُ بعودتها. صفا لنا وجهُ مصرَ، لنصفو وننصت إلى صوت السماء فى تواشيح «النقشبندى» وقرآن الشيخ «رفعت»، وصخب أطفال الشارع، الذين لن نميز أبدًا إن كانوا مسيحيين أم مسلمين. لكننا متأكدون أنهم مصريون. أنجبتهم هذه الأرض الطيبة، وأظلّتهم أشجارُها الوارفة، وأطعمهم نخيلُها من تمورها الشهية. كل عام وجميعنا فى ملء الفرح والمحبة. اللهم تقبل صيامنا فى هذا الشهر المبارك، وتقبل من أصدقائنا صومَهم الكبير، واعفُ عنّا، واحفظ بلادنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصوم معًا صحن فول بالبيض نصوم معًا صحن فول بالبيض



GMT 19:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تحت البحر

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

انتصرنا

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكر السياسي سيرورات لا مجرّد نقائض

GMT 19:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

«إنت بتفهم في السياسة أكتر من الخواجه؟!»

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس ترمب؟!

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة العشرين وقمة اللاحسم

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لو أنه أنصف لبنان

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مأساوية الحرب وأفكار النهايات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 06:14 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين
 صوت الإمارات - العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates