بقلم : محمد أمين
لا أتخيل أنه كان فى مصر مثقف واحد قرأ وسمع عن عباس العقاد وطه حسين وأحمد أمين وغيرهم، لم يسمع عن زكى مبارك، الذى كان قليل الحظ.. فقد كان ملء السمع والبصر، وكتب فى الصحافة والأدب ودخل فى معارك أدبية طاحنة، وكان يوقع باسم الدكاترة زكى مبارك لأنه حصل على الدكتوراة ثلاث مرات متتالية، فلقبه البعض بالدكاترة زكى مبارك، وهو أديب وشاعر وصحفى وأكاديمى عربى مصرى!.
درّس فى الجامعة المصرية لعدة سنوات، وعمل مفتشًا عامًّا للغة العربية، وُلد زكى مبارك فى قرية سنتريس بمحافظة المنوفية فى عام 1892، والتحق بالأزهر عام 1908، وحصل على شهادة الأهلية منه عام 1916، وليسانس الآداب من الجامعة المصرية عام 1921، والدكتوراه فى الآداب من الجامعة ذاتها عام 1924، ثم دبلوم الدراسات العليا فى الآداب من مدرسة اللغات الشرقية، فى باريس عام 1931، ثم الدكتوراه فى الآداب من جامعة السوربون عام 1937!.
كان سليط اللسان، وتسبب طه حسين فى خروجه من الجامعة إلى الشارع بلا وظيفة وبلا مرتب، بالرغم من حصوله على الدكتوراة ثلاث مرات وتأليفه أكثر من أربعين كتابًا، وقد أُتيح له أن يعمل فى الجامعة المصرية، وعمل فى الجامعة الأمريكية، وعُين مفتشًا للمدارس الأجنبية فى مصر، ولكنه لم يستقر فى هذه الوظيفة، وأُخرج منها بعد أن جاء النقراشى وزيرًا للمعارف والدكتور السنهورى وكيلًا للوزارة!.
وعمل فى الصحافة أعوامًا طويلة، ويُحدثنا أنه كتب لجريدة البلاغ وغيرها من الصحف نحو ألف مقال فى موضوعات متنوعة. وانتُدب فى عام 1937م للعراق للعمل فى دار المعلمين العالية، وقد سعد فى العراق بمعرفة وصداقة كثير من أعلامه، وعلى الرغم مما لقى فى العراق من تكريم، فإنه ظل يحس بالظلم فى مصر!.
وهو يعبر عن ظلمه أصدق تعبير بقوله: «إن راتبى فى وزارة المعارف ضئيل، وأنا أُكمله بالمكافأة التى آخذها من (البلاغ) أجرًا على مقالات لا يكتب مثلها كاتب، ولو غمس يديه فى الحبر الأسود... إن بنى آدم خائنون.. تؤلف خمسة وأربعين كتابًا، منها اثنان بالفرنسية، وتنشر ألف مقالة فى (البلاغ)، وتصير دكاترة، ومع هذا تبقى مفتشًا بوزارة المعارف».
فى 22 يناير 1952، سقط مغشيًّا عليه فى شارع عماد الدين، وأُصيب فى رأسه، فنُقل إلى المستشفى، حيث بقى غائبًا عن الوعى، حتى وافته المنية فى 23 يناير 1952، قبل شهور من ثورة الضباط فى 23 يوليو!.
الخلاصة، لا أريد أن أعقد مقارنة بينه وبين طه حسين، ولا أريد أن أقول إنه تخرج فى السوربون كما تخرج طه حسين، ولكن العميد دمره، فأخرجه من الجامعة إلى الشارع، بلا وظيفة، فلم يجد ملجأ غير العراق، التى فاز فيها بوسام الرافدين، وأكرمته، ولكنه ظل يشعر بالظلم فى مصر حتى مات