غلق مدرسة المستقبل

غلق مدرسة المستقبل

غلق مدرسة المستقبل

 صوت الإمارات -

غلق مدرسة المستقبل

بقلم : عبد الرحمن شلقم

الأخبار التي تزدحم في وسائل الإعلام المختلفة، تضيف لها شبكات التواصل الاجتماعي، ضربات تجعل زمننا ظلاماً لا ينقشع. مساحة واسعة يزمجر فيها القتل والتهجير والجوع والمرض. الحرب مطرقة تهوي على رؤوس البشر وأجسادهم، منذ أن دبَّت الحياة فوق التراب. وراء كل حرب غرائز مصابة بعلة الضعف والجهل. لكل حرب نهاية. لكن تبقى جروحها محفورة في كيان المنتصر والمهزوم.

الحرب الأخطر والأدهى هي تلك التي يشنُّها شعب على نفسه. أوبئة تعصف في جسد المجتمع، كما تثور الخلايا السرطانية في كيانه، تدفع العوام إلى حفر الوهم المدمّر. ما اشتعلت حرب إلا كانت قدّاحتها، أفكار مريضة مشوهة قاتلة. التاريخ يقول لنا: لا مندوحة من يقظة العقل، الذي ينزُّ الماء القادر على إطفاء الحروب. المعركة الكارثية هي تلك التي يطلق فيها شعب النار على مستقبله، وهو يعتقد أنه يُحسِن صُنعاً. تحت شعارات أو عناوين، تُكتَب بحروف الدين، أو القيم والموروث. يتصدر قلَّة من الانتهازيين الجهلة مشهد الحياة في بلدان طاولتها نكبة التخلف، يفتلون حبالاً من الوهم، لتكون الأغلال المقدسة، لجر الشعوب قسراً إلى كهوف الظلام البهيم.

المستقبل أفق له وجود خاص، وحواس يُبدِعها الإنسان بالعلم والعمل، وقوة العقل الحر المبدع الخلاق. كل أمة حققت فرحة الحياة، بنتها من عرق عقول المفكرين والعلماء والفلاسفة، الذين بنوا مصنع المستقبل. لا قوة تستطيع كسر أغلال التخلُّف، سوى وهج ومضات الحرية والعقل الفاعل المبدع. ضوء اليقظة يلوح مع فجر الحياة العاقلة، حياة تنطلق فيها حواس البشر بقوة، نحو بناء مستقبل يندفع نحو رحابه الجميع. في العقود القريبة الماضية، اتسع الحديث عن النمور الآسيوية. شعوب نفضت غبار التخلف الثقيل، وقفزت من حفر الوهم الموروث إلى أفق الوجود المرتجى. فيتنام التي خاضت حرباً طويلة مع قوة ضاربة، من أجل الوحدة والحرية والتقدم، وكلفتها الملايين من الضحايا، والدمار الشامل، صارت اليوم نمراً عالمياً، وليس آسيوياً فقط. خلعت رداء الآيديولوجيا، وأعادت إنتاج عقلها، وفتحت فيتنام أبوابها لدفق عصر جديد. الاقتصاد الأزرق يقوم على تصنيع ماء البحر، وتحويله إلى قوة منتجة للطاقة والطعام. دولة سنغافورة الصغيرة بُنِيَت فوق كتلة من الصخر، نمر آخر فكَّ أغلال عقله، فصارت كل يد على أرضه تعادل آلاف الأيدي، في بلدان الظلام البهيم، وحقق المواطن فيها أعلى متوسط دخل في العالم. هل نستطيع أن نتحدث عن المعجزة، التي لها شهيق وزفير، وهي كوريا الجنوبية، في سطور قليلة؟ قمت بزيارة رسمية إلى هذا البلد العجيب سنة 2002 قادماً من شقيقتها كوريا الشمالية، عندما كنت وزيراً لخارجية ليبيا، ومعي وفد كبير من الوزارة. لا يُصاب المرء بالذهول فحسب، بل يُصاب بالدوار العنيف، عندما يحاول أن يجد سؤالاً واحداً، عن سبب الهوة الرهيبة، التي رسمت الاختلاف الذي لا يمكن وصفه، بين بلد واحد منقسم إلى كيانين. الحرية والمبادرات الفردية، وتوظيف العلم لرفاهية وسعادة الإنسان، تلك هي الروافع، وغيابها يصنع معاول الديكتاتورية والعنف والجوع والخوف. يتحول البشر إلى أشياء تتحرك في آلات لا رؤوس لها. كوريا الجنوبية قادتها سيدة من فوق كرسي رئاسة الجمهورية، وحققت نقلة اقتصادية مهمة، لكنها دخلت السجن بقوة القانون، عندما اعترفت بارتكاب مخالفات مالية. المرأة المسلمة حليمة يعقوب ترأست دولة سنغافورة. كانت صوت الضمير الوطني المنحاز للحرية والشفافية وسيادة القانون. ما زال شعبها يذكرها كرمز للوحدة الوطنية، والمدافعة عن المساواة بين مكونات الشعب، وفتح الأبواب أمام المرأة في جميع المجالات. في جمهورية باكستان، قتل التعصب السيدة بناظير بوتو التي أشعلت أضواء التنوير، وبذلت جهداً عبر سنواتها القصيرة، لتكريس التسامح والحرية والديمقراطية. امتدت لها نار الجهل والكراهية، فحرقت أغصاناً للمستقبل كانت حلماً للمسحوقين.

الجهل هو اليد المبدعة لجنون الهدم، وزرع التخلف وقمع العقل والحرية. تدمير المرأة ودفنها في ركام التخلف هو المطرقة الغاشمة لتدمير مستقبل الشعوب الحالمة بالولوج إلى دنيا العصر الإنساني الجديد المزدهر.

حافظ إبراهيم، الشاعر المصري الخالد، كان صوتاً رائداً عابراً للزمن، قال:

الأمُّ مدرسة إذا أعددتَها

أعددتَ شعباً طيبَ الأعراقِ

الجهلة المتخلفون يهربون مع سبق التخطيط والقصد إلى حفرتين يصبون فيهما لعنات الكوارث التي يبدعها صديد جهلهم، وهما المؤامرات الخارجية، والمرأة الممثل الشخصي المتحرك للشيطان فوق الأرض، ووسط النسيج الاجتماعي (هكذا). لا يعلم هؤلاء الجهلة كم هو عدد النساء اللائي حصلن على جائزة نوبل في كل فروع العلوم، والنساء اللائي أعطين حياتهن للأعمال الإنسانية، في مساعدة اليتامى والفقراء والمرضى. هم بكل تأكيد لم يسمعوا باسم السيدة ماريا تيريزا، ناهيك من عبقرية مستشارة ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل، التي كرست وحدة ألمانيا، وحققت حضوراً أوروبياً فاعلاً في السياسة الدولية. لقد وضع الشاعر الرائد حافظ إبراهيم، شرطاً تأسيسياً، عندما قال «الأم مدرسة»؛ (إذا أعددتها). نعم، إذا أعددتَها. ماذا لو دمرتَها؟ ببساطة أغلقتَ أبواب المستقبل بقفل جهلك. المرأة هي الرحم الذي يلد المستقبل الجديد، بإنسان جديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غلق مدرسة المستقبل غلق مدرسة المستقبل



GMT 04:33 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 04:33 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 04:32 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

رجال الأعمال والبحث العلمي

GMT 04:31 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 04:30 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 04:29 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا السياسيون في بلداننا مهمومون جداً؟

GMT 04:29 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 04:28 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

نهايتان!

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة - صوت الإمارات
ظهرت الفنانة إلهام شاهين في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي، وهي مرتدية فستانا أزرق طويلا مُزينا بالنقوش الفرعونية ذات اللون الذهبي.وكشفت إلهام تفاصيل إطلالتها، من خلال منشور عبر حسابها بموقع التواصل "فيسبوك"، إذ قالت: "العالم كله ينبهر بالحضارة الفرعونية المليئة بالفنون.. وها هي مصممة الأزياء الأسترالية كاميلا". وتابعت: "تستوحى كل أزيائها هذا العام من الرسومات الفرعونية.. وأقول لها برافو.. ولأن كثيرين سألوني عن فستاني في حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.. أقول لهم شاهدوه في عرض أزياء camilla". يذكر أن فستان الفنانة المصرية هو نفس فستان الكاهنة "كاروماما" كاهنة المعبود (آمون)، كانت الكاهنة كاروماما بمثابة زوجة عذراء ودنيوية للمعبود آمون. وهي ابنة الملك (أوسركون الثاني) الذي حكم مصر خلال الأسرة الـ 22...المزيد

GMT 05:11 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
 صوت الإمارات - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 21:21 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 05:46 2015 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

كاندي كراش تربح شركة "كينج" 1.33 مليار دولار

GMT 17:52 2014 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

منع بيع لعبة فيديو عنيفة ومثيرة للجدل في أستراليا

GMT 19:29 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

منتجع أليلا مكان مميز في بلدة Payangan

GMT 03:28 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

أنواع الكورتيزون المستخدم لعلاج تساقط الشعر والثعلبة

GMT 23:50 2013 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أحدث أجهزة ألعاب الفيديو قريبًا في الأسواق

GMT 16:43 2016 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

حالة الطقس المتوقعة الثلاثاء في مدينة الرياض

GMT 23:13 2016 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

"زهر" رواية للراحل جمال أبو جهجاه

GMT 20:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 05:27 2019 الأربعاء ,08 أيار / مايو

فافرينكا يتقدم في بطولة مدريد للأساتذة

GMT 04:20 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل وشروط التقدّم لوظائف وزارة الزراعة المصرية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates