زفرات اللغو

زفرات اللغو

زفرات اللغو

 صوت الإمارات -

زفرات اللغو

بقلم : عبد الرحمن شلقم

 

التحليل كلمة منتفخة، في بطنها هواء، بعضُه يدفع كلَّه. المحلّل كلمة حملت شحنة صادمة يبتعد عنها الناس قولاً وعملاً. تحليل المرأة التي يطلِّقها زوجها بالثلاثة يوجب زواجها القصير أو الطويل من رجل آخر كي تحل لزوجها الأول الذي طلَّقها. محللون يُطلون علينا في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، تسبقهم صفة «المحلل». بعد الاستماع إلى ما يسيل من أفواههم في قضايا شتى، يشخص في رؤوسنا سؤال: هل وهب المحللون شرعية الحقيقة للقضية التي اختلت بها أفواههم؟ نصمت وأفواهنا فاغرة، عندما تُطل بعد المحللين، قارئة الأبراج، لتُخبرنا بما هو قادم من عظائم الأمور. مَن سيموت، وأين ومتى ستندلع الحروب. أين ستمطر خزائن المال، ومصائر الرجال. عندما يصير اللغو علماً تصبّه زفرات الجهل في رؤوسٍ بينها وبين العلم والفهم ما صنعه الظلام. اللغو هو الكلام الباطل الذي تفصله عن الحقيقة حُفر واسعة لا شيء فيها سوى غبار الجهل الذي يُعمي العقول، حيث يستمرئ الجاهلون ما يسمعون. ومَن منَّ الله عليهم بنعمة العقل فلهم القدرة الضاربة على تمييز الغث من السمين، ولا يدخلون حلقات غبار اللغو. يقول تعالى: «وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً»، الفرقان: 72. اللغو حالة اجتماعية حياتية لها مكوناتها، تتسع وتضيق. وقد تطغى على مساحة عريضة من النسيج الاجتماعي، وتستمر حقباً طويلة. يسود فيها الكذب، والعبث الفكري، ويتسيّد فيها الجهل الكاسح. اللغو يتحول في حالات كثيرة إلى وباء يضرب المجتمع، ويعيش في الرؤوس زمناً طويلاً، ويقود إلى الجهل والتخلف، عندما يغيب الترياق الفاعل، وهو العلم والتفكير العقلي، الذي يقود إلى إشعال ضوء المعرفة. في زمن النهوض يكون للعقل حضور فيما يقوله، وفيما يكتبه المفكرون والمبدعون.

سَلِ اللهَ عقلاً نافعاً واستعذ به

من الجهلِ تسأل خير مُعطى لسائلِ

فبالعقلِ تستوفى الفضائلَ كلَّها

كما الجهلِ مستوفٍ جميع الرذائلِ

أبو الفتح البستي

لولا العقولُ لكان أدنى ضيغمٍ

أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ

المتنبي

لا أميل إلى التعميم. ففي كل مجتمع هناك من ذا وذا، ولكن يبقى المقياس هو ما تُعرف بالظاهرة الاجتماعية، وفي الموضوع الذي بين سطورنا هي: حالة اللغو التي تتسع أو تضيق فوق قماشة النسيج الاجتماعي. وفعلها في تغييب الوعي الفاعل. التقنية التي أبدعها الإنسان الباحث بنور عقله، صارت مثل الضوء والهواء، لا يخلو منها بيت أو قرية أو مدينة. «الإنترنت» التي صارت أداة الوصل الإنساني بين الناس، عامّتهم وخاصّتهم. كيف استخدمت الشعوب المتقدمة هذا الاختراع التقني العظيم، وكيف استخدمته الشعوب المتخلفة، على المستوى الفردي والجماعي؟ المتقدمون وجدوا في هذا الاختراع، قوة مضافة إلى قدرات التعلم والتفكير، ومتابعة ما يبدعه العقل الإنساني من جديد في كل المجالات، وبكل اللغات، ومن كل القارات، في حين تسابق المتخلفون لجعل «الإنترنت» صوتاً وحروفاً مضافة في محافل اللغو. صارت الحروف أفواهاً تصرخ في حلبات التنابز، وبث الشائعات والأخبار الكاذبة. أعادت محافل المدح والهجاء، وتبادل عجن الكلمات بين مادح وقادح. الاصطفاف في أرتال التأييد والمعارضة، بقوة المصالح والانفعالات الهائجة الحادة. امتلك اللغو زفرات تُسمع وتُرى. أخذ أهل اللغو أجهزةَ التقنية الحديثة للتواصل، أخذوها معهم إلى حُفر الغيبوبة المقدسة. يتحدثون فيها ويكتبون عن الحسد، والرقية، والسحر، والجهاد، وكراهية الآخر، وتكبيل المرأة، ووأدها في حُفر الجهل والتخلف. غابت إشارات المرور في الخطاب الذي وهبته التقنية مسارات تصل الناس بعضهم ببعض، دون سابق معرفة، كما وهبت التقنية لقادة السيارات إشارات مرور تنظم حركتهم، كي يعبر الجميع بنظام وفي سلام. لقد صارت التقنية اليوم، هي الإنسان الثاني المضاف إلى الإنسان الذي عرفناه قبلها. له حواس مضافة تعرف وتدرك ما فوق الأرض وتحتها وما في الفضاء البعيد. الحاسة التقنية صارت قادرة على قيادة الطائرة والسيارة، بل قيادة الإنسان نفسه على طرق لا يعرفها، وصارت طبيباً يشخِّص الأمراض ويعالجها أيضاً. نحن نعيش اليوم عصر اليقظة، كما عاش الأوروبيون عصر النهضة، الذي أخرج الإنسان من حُفر الغيبوبة القسرية في العصور الوسطى. هناك من أدرك حجم تلك النقلة الإنسانية الفارقة ومداها وأهميتها، لكنَّ الغافلين القابعين في هوّة اللغو تركهم الزمن يتحلقون في حُفر الماضي السحيق البائد، ويمضغون ما قاله من هم في حُفر القبور.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زفرات اللغو زفرات اللغو



GMT 19:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تحت البحر

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

انتصرنا

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكر السياسي سيرورات لا مجرّد نقائض

GMT 19:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

«إنت بتفهم في السياسة أكتر من الخواجه؟!»

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس ترمب؟!

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة العشرين وقمة اللاحسم

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لو أنه أنصف لبنان

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مأساوية الحرب وأفكار النهايات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates