اليمين واليسار جناحان لطائر مهاجر

اليمين واليسار جناحان لطائر مهاجر

اليمين واليسار جناحان لطائر مهاجر

 صوت الإمارات -

اليمين واليسار جناحان لطائر مهاجر

بقلم - عبد الرحمن شلقم

 

نتائج الانتخابات الأوروبية، أعادت الحديث عن اليمين واليسار السياسيين، وبخاصة في أوروبا. وُلدت الكلمتان وسط ضجيج الثورة الفرنسية، حيث جلس المحافظون في يمين الجمعية الوطنية، وجلس ممثلو الثورة في يسار القاعة. أخذ المصطلح فعلاً سياسياً بعد الحرب العالمية الثانية، وسيطرة الاتحاد السوفياتي على دول أوروبا الشرقية. بدأت حركات التحرير من الاستعمار في بلدان العالم الثالث، ولاقت دعماً من الكتلة الشرقية. الاشتراكية كانت الشعار الذي رفعته القوى السياسية في أغلب البلدان المستقلة، وإن اختلفت تطبيقاتها من بلد إلى آخر. في الدول المستقلة الجديدة، غاب ما يمكن تسميته اليمين؛ لأنها تبنّت سياسة الحزب الواحد، وعدم وجود أي نوع من المعارضة. أوروبا الغربية قبل قيام الاتحاد الأوروبي، كانت المهد السياسي والاقتصادي، لجناحي اليمين واليسار. اليمين الأوروبي التقليدي كان القوة التي قادت الحكم في غرب أوروبا الرأسمالي، وتحالفت مع الولايات المتحدة. في بريطانيا تبادل حزب المحافظين وحزب العمال الحكم، لكنهما حافظا على علاقة متميزة مع الولايات المتحدة. وفي الحالتين كانت الرأسمالية، أساساً راسخاً لا يتأثر بتغير الحزب الحاكم، ولم يظهر حزب شيوعي فيها. في إيطاليا الجمهورية حكم الحزب الديموقراطي المسيحي اليميني سنوات طويلة، ولكن الحزب الشيوعي كان له وجود سياسي فاعل في المعارضة. النقابات العمالية كانت لها قوة سياسية كبيرة. في فرنسا حكم اليمين، وكان للاشتراكيين نصيب محدود في الحكم. الحزب الشيوعي الفرنسي كان من أقوى الأحزاب الشيوعية في أوروبا الرأسمالية، مع الحزب الشيوعي الإيطالي. الاقتصاد كان هو العنوان الذي يصبغ كل حزب بلونه السياسي. الضرائب والرواتب وسياسة التقاعد، والخدمات وبخاصة التعليم والصحة والتأمين، هي الصانعة للخيارات الانتخابية. سياسات الاتحاد السوفياتي التي وُصفت بالاشتراكية، كان لها فعلها في الغرب الرأسمالي. سياسة جوزيف ستالين القمعية، وتردي الوضع الاقتصادي في الجمهوريات السوفياتية، ومعاناة العمال، كان لها انعكاس مباشر في دول غرب أوروبا الرأسمالية، حيث منحت حكوماتها الطبقة العاملة امتيازات غير مسبوقة، منها تنظيم ساعات العمل، ورفع المرتبات، ومشاركة النقابات العمالية في دورة الحياة الاقتصادية. كل ذلك من أجل إبطال مفاعيل المدّ الشيوعي في الدول الأوروبية. كانت الطبقة العاملة في الغرب، المستفيد الأكبر من الممارسة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي ودول شرق أوروبا. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ومعه كل المنظومة الاشتراكية، تسيَّد اليمين في غرب أوروبا، وتراجعت الأصوات الاشتراكية والثورية، في كل العالم، بما فيه أوروبا.

في بلدان العالم الثالث، لم تشهد غالبيتها ما يمكن تسميته اليمين واليسار؛ لأنها عاشت تحت حكم الحزب الواحد، ولم تقم بها ديمقراطية النموذج الغربي، حيث قوة تحكم، وأخرى تعارض.

الولايات المتحدة، لها نظامها السياسي الخاص، وكذلك منظومتها الاقتصادية. منذ قيامها قادها حزبان سياسيان، لا منافس يذكر لهما. الحزب الجمهوري، والحزب الديمقراطي. وهما يتفقان على حزمة من الثوابت الوطنية، مع اختلافات في بعض التفاصيل. الاقتصاد هو إبرة البوصلة التي تحدد وجهة الناخبين. المجمع الانتخابي هو مالك قرار الفصل في اختيار رئيس الدولة، وطريقة اختياره وتشكيله، تتفرد بها الولايات المتحدة. وقد حدث أكثر من مرة أن حصل مرشح للرئاسة، على أصوات غالبية الشعب، ولم يفُز بدخول البيت الأبيض؛ لأن المجمع الانتخابي صوّت بالأغلبية لمنافسه. تتغير برامج المرشحين للرئاسة وعضوية الكونغرس، لكن الاقتصاد هو الحاضر الأقوى دائماً، وبخاصة الضرائب، وأسعار الفائدة، والتعامل التجاري مع الدول الأخرى. السياسة الخارجية لا تمثل في أغلب الأحيان، عاملاً مهماً. الحزب الجمهوري، يحسَب على المحافظين، وأكثر أعضائه من المتدينين، فهو ضد الإجهاض والمثلية، وينتهج سياسة متشددة في ما يتصل بالهجرة. في حين يتبنى الديمقراطيون سياسة مرنة في ذلك. الشعبوية موجة مضافة إلى سياسة اليمين وأصواته، وبخاصة في العشرية الأخيرة من هذا القرن، وقادت إلى ظهور ما عُرف باليمين المتطرف، الذي يعمل من أجل تكريس الهوية الوطنية، سياسياً واجتماعياً وثقافياً. في أوروبا، وبخاصة في فرنسا، صار موضوع الهجرة مادة انتخابية مهيجة، إلى حد اعتبار المهاجرين المسلمين، قوة تهدد الهوية الفرنسية. الشعبوية السياسية، انتشرت في دول أوروبا وبخاصة الغربية، ولم يكن لها القوة ذاتها في دول الشمال الأوروبي. في عالمنا اليوم، حيث العولمة، أو كما يسميها الفيلسوف مراد وهبة الكوكبية، برزت قوى جديدة، أهمها الصين المصنع العالمي الكبير، وكذلك السوق الواسعة، وبعض دول أميركا اللاتينية، ودول الخليج العربي، كلها تقدم نماذج مختلفة في منظوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحققت تقدماً في مختلف الميادين.

لقد تغير العالم كثيراً بفضل التعليم، والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. هناك عزوف واسع عن المشاركة في الانتخابات، وتفاوتت تطلعات الأجيال الجديدة، وتغيرت المسافات بين ما كان يُعرف باليمين واليسار، وصارا طائراً واحداً مسافراً بجناحين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليمين واليسار جناحان لطائر مهاجر اليمين واليسار جناحان لطائر مهاجر



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates