أوروبا من ثاتشر وميركل إلى ميلوني

أوروبا من ثاتشر وميركل إلى ميلوني

أوروبا من ثاتشر وميركل إلى ميلوني

 صوت الإمارات -

أوروبا من ثاتشر وميركل إلى ميلوني

بقلم : عبد الرحمن شلقم

أوروبا حيث تتدفق مياه الزمن في نهر الحياة المتجدد، صار للمرأة وجود فاعل في مختلف المجالات. في دنيا السياسة الأوروبية التي نعيشها اليوم، وضعت المرأة مكياجاً بلون آخر على وجه القيادة السياسية. زعامة اختلفت عن تلك التي عاشتها القارة العجوز بين الحربين العالميتين وبعدهما. شخصيات حطَّت على زمن القوة والسيطرة، وصنعت الحروب. أدولف هتلر في ألمانيا، وبينيتو موسوليني في إيطاليا، وفي روسيا السوفياتية جوزيف ستالين. ونستون تشرشل، الزعيم الداهية البريطاني، قاد العالم إلى حقبة تغير فيها كل شيء. نيفيل تشمبرلين رئيس حكومة بريطانيا العظمى، عاد من اجتماعه مع هتلر، حاملاً في ورقة اتفاقية الترضية التي بشّرت البريطانيين بالسلام، بعدما قبل قادة أوروبا باستيلاء ألمانيا النازية على جزء من تشيكوسلوفاكيا. السياسي المحافظ والأديب والرسام، رفع صوت المعارضة الحاد، لسياسة الترضية التي تبناها تشمبرلين مع هتلر، ودعا إلى سياسة المواجهة مع هتلر. العقيد شارل ديغول، العسكري الفرنسي الشاب، تمرّد على قادته الذين استسلموا لألمانيا بعد احتلالها فرنسا، وقاد المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي على رأس حركة فرنسا الحرة. لجأ العقيد ديغول إلى بريطانيا، لتأسيس جبهة الحلفاء ضد ألمانيا التي تحالف معها موسوليني الزعيم الفاشي الإيطالي. بدأ زمن أوروبي جديد سيرسم مستقبل العالم لعقود طويلة. اكتمل التحالف الديكتاتوري بانضمام الإمبراطورية اليابانية إلى ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، وحمل اسم المحور، في حين انضمت الولايات المتحدة الأميركية، ثم الاتحاد السوفياتي إلى بريطانيا وقوات فرنسا الحرة بقيادة شارل ديغول. اشتعلت الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وقُتل فيها الملايين ودُمّر فيها الحجر والشجر. رحل زمن ووُلد آخر.

الحروب تزيح عهوداً، وتطوي صفحات كتبتها ثقافة وسلوك، ما قبل الحرب. في الحرب العالمية الأولى، جرى تجنيد الرجال البالغين، واضطرت المصانع إلى توظيف النساء، وفتحت الدوائر الحكومية والبنوك أبوابها كذلك لهن. في كل حرب هناك رابح وخاسر. المرأة خصوصاً في أوروبا الغربية، حصلت على حق المشاركة في الانتخابات، وساهمت بجهدها في إعادة بناء ما دمرته الحروب، وبخاصة في ألمانيا.

الحرب العالمية الثانية أنتجت عالماً آخر. تحالفات عسكرية دولية، وأنظمة سياسية مختلفة، ورموز سياسية رحلت وأخرى جديدة برزت. السياسي البريطاني الذي حاز جائزة نوبل للأدب، وكان العقل الذي رسم سياسات التحالف الذي هزم النازية والفاشية، خسر أول انتخابات بعد احتفاله بالنصر، وفاز عليه كليمونت أتلي من حزب العمال. بعد هزيمته زار رفيقه الجنرال دوايت أيزنهاور الذي قاد قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. في طوفان الاستقبالات والمهرجانات الاحتفالية التي أقامها له رفيق معارك الحرب العالمية الثانية، ألقى الزعيم الذي هُزم سياسياً، بعد الانتصارات التي حققها في الحرب، خطابات سياسية، قرأ فيها خرائط الزمن السياسي الأوروبي، بل والعالمي القادم. تحدث مطولاً عن الستار الحديدي، الذي يرفع بين الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي، على الحدود بين برلين الشرقية الشيوعية، وبرلين الغربية الرأسمالية. ساهم تشرشل في وضع الخطوط الأساسية لعالم نهايات القرن العشرين، وكان يؤمن أن بريطانيا هي التوأم العسكري والسياسي والأمني للولايات المتحدة الأميركية. اختلف مبكراً مع الزعيم الفرنسي شارل ديغول، الذي قال إن روسيا أقرب إلى أوروبا من بريطانيا، لولا آيديولوجيتها الشيوعية. وفي النهاية صدقت مقولة ديغول، وغادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي.

أوروبا الجديدة التي صنعت العصر الجديد، بعد رحلة طويلة من النهوض، إلى الإمبراطوريات الاستعمارية والحروب العالمية، إلى الاتحاد، كانت نتاج عقول ورموز فلسفية وفكرية وعلمية وسياسية. لم يكن للمرأة حضور في العصور الماضية. وكانت الصدارة للرجال وحدهم. حتى الدول ذات الأنظمة الملكية، التي اعتلت فيها بعض النساء العروش، لم يمتلكن حروف القرار في النظم البرلمانية، حيث الحكم بيد رئيس الوزراء. في سنة 1979 شهدت أوروبا حدثاً غير مسبوق، وكان بمثابة الثورة. في بريطانيا المملكة المحافظة، تتولى سيدة للمرة الأولى رئاسة الحكومة، مارغريت ثاتشر من حزب المحافظين تترأس الوزارة. كانت زعيمة استثنائية. واجهت الصعوبات الاقتصادية التي عاشتها البلاد بجرأة، وتبنّت سياسة ليبرالية شاملة، ودخلت في حرب مفتوحة مع النقابات، وحققت طفرة اقتصادية عاشتها كل البلاد. معركة جزر الفوكلاند مع الأرجنتين، رفعتها إلى هام الزعامة الوطنية. أعادت غزل خيوط سياسة بلادها مع أوروبا والعالم. لم تعد بريطانيا التابع الصامت للسياسة الأميركية، بل كثيراً ما كانت هي الموجه للسياسة الأميركية في بعض الأحداث الدولية. الرئيس الأميركي القوي، رونالد ريغان كان يستشيرها ويستمع إليها. كانت الحاضر الكبير في السياسات الدولية، من أوروبا إلى الاتحاد السوفييتي وأميركا اللاتينية وأفريقيا. سُميت بالمرأة الحديدية، وكانت كذلك. بدقة تعبيراتها، وحدة مواقفها وقوة إرادتها. اختلفت عن جميع من سبقها في رئاسة الحكومات البريطانية. كانت مارغريت ثاتشر هي المرأة الأولى والأخيرة التي ترأست حكومة المملكة المتحدة، وبقيت اسماً طليعياً في كل أوروبا إلى اليوم. شخصية نسائية ثانية اعتلت كرسي القرار في أوروبا، وهي أنجيلا ميركل التي تولت منصب المستشار في ألمانيا سنة 2005 حتى سنة 2021. هي أستاذة كيمياء، وكانت كذلك في السياسة أيضاً. قادت حكومات ائتلافية من أحزاب عدة. ترأست المجلس الأوروبي ومجموعة الثمانية، ولعبت دوراً مهماً في مفاوضات معاهدة لشبونة وإعلان برلين، ولعبت دوراً أساسياً في إدارة الأزمة المالية على المستويين الأوروبي والدولي. وقامت بدور مهم في إصلاح النظام الاجتماعي والرعاية الصحية، وأزمة الطاقة واهتمت بقضية المهاجرين، وسُميت بسيدة القرار، وعُدّت من كبار زعماء العالم الحر.

في إيطاليا يتجلى الآن قمر سياسي أوروبي ثالث. السيدة جورجيا ميلوني التي نجحت في تشكيل حكومة ائتلافية من ثلاثة أحزاب، حزبها إخوان إيطاليا وحزب رابطة الشمال، وحزب فورسا إيطاليا، في أكتوبر (تشرين الأول) 2022. هي صحافية وسياسية وعضو برلمان. إيطاليا التي لا تعمّر فيها الحكومات طويلاً، عرفت زعماء من العيار الثقيل منذ قيام الجمهورية سنة 1946 حيث كان دي جاسبري زعيم الحزب الديموقراطي المسيحي، ومن بعده فانفاني وألدو مورو وجوليو أندريوتي، وسبادوليني من الحزب الجمهوري وكراكسي من الحزب الاشتراكي إلى سيلفيو برلسكوني، كانوا من أبرز رؤساء الحكومات وكلها تألفت من أحزاب عدة. تولت ميلوني رئاسة الحكومة كأول سيدة تقود الوزارة في إيطاليا. كان السؤال المبكر الذي حضر في الأوساط الإعلامية والسياسية، هل ستنجح هذه الشابة في إدارة إيطاليا التي يقوم نظام الحكم فيها على اللامركزية، وتعاني مشاكل اقتصادية مزمنة، ومعارضة قوية من أحزاب مختلفة، وبخاصة من يسار الوسط؟ الائتلاف الحاكم مكوّن من أحزاب مختلفة التوجه والعلاقات الخارجية. حتى الآن أثبتت ميلوني قدرتها على مواجهة الأزمات بقوة، وتصدت للمعارضة بكفاءة. واجهت مشكلة الهجرة، وجعلتها قضية متوسطية وأوروبية، وواجهت مشاكل الأقاليم، وفرضت حضورها الأوروبي والدولي. جورجيا ميلوني صارت اليوم مرشحة بجدارة أن تكون الضلع الثالث، في مثلث القيادة النسائية التاريخية الأوروبي، مع ثاتشر وميركل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا من ثاتشر وميركل إلى ميلوني أوروبا من ثاتشر وميركل إلى ميلوني



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 19:18 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 صوت الإمارات - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 صوت الإمارات - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 05:35 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة
 صوت الإمارات - الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة

GMT 08:38 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 05:21 2015 الأربعاء ,11 شباط / فبراير

افتتاح معرض "ألوان السعودية" المتنقل في جدة

GMT 07:14 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الرميحي يزور جناح دولة قطر في معرض "اكسبو 2015"

GMT 20:48 2013 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج جديد فى إذاعة الشرق الأوسط عن التعديلات الدستورية

GMT 13:26 2015 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مقهى ثقافي ومسابقة تصوير في معرض كتاب شرطة دبي

GMT 11:40 2015 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

"أبوظبي للسياحة" تنظم معرض "ميادين الفنون"

GMT 07:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

جبل بوزداغ من أروع المناطق السياحية للتزلج

GMT 05:28 2016 السبت ,27 شباط / فبراير

HTC تنشر أول صورة تشويقية لهاتفها المرتقب One M10

GMT 11:02 2013 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

بحث تطوير مشروع جامعة عمان مع كامبريدج

GMT 03:34 2015 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يستقطب أكثر من 600 ألف زائر

GMT 08:27 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميثاء الخياط تعرّف الأطفال بطرق قص مبتكرة في "الشارقة"

GMT 01:52 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كلوب يكشف السبب الرئيسي لسقوط ليفربول أمام ساوثهامبتون

GMT 12:49 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يوضِّح تعرّضه للأذى في برشلونة سبب خروجه عن صمته
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates