معارك الآيديولوجيا الدموية في الشرق الأوسط

معارك الآيديولوجيا الدموية في الشرق الأوسط

معارك الآيديولوجيا الدموية في الشرق الأوسط

 صوت الإمارات -

معارك الآيديولوجيا الدموية في الشرق الأوسط

بقلم : محمد الرميحي

يحتدم الصراع في الشرق الأوسط، حتى أصبحت منطقتنا مثل «الطماطم الفاسدة»، لا أحد يريد الاقتراب منها، عناوين الأخبار غير المريحة تُظهر ذلك، مثل «احتمال اجتياح لبنان»، أو «قتل أطفال في مجدل شمس»، أو «مذبحة رفح»، أو «اغتصاب سودانيات في الخرطوم»، وما شابه ذلك في سوريا والعراق واليمن وليبيا، طبعاً في فلسطين، والأخيرة هي بؤرة التوتر في الشرق الأوسط.

على الأقل في نصف القرن الماضي كانت الصراعات في الشرق الأوسط «آيديولوجية»، سواء كانت قومية أو إسلاموية أو يسارية، كل فريق في تلك الآيديولوجيا يعتقد دون أي شكوك أن «أفكاره على حق مطلق، والآخرين على خطأ مطلق»، يقول شعار «اليونيسكو» المُعلن على باب المبنى الرئيسي «لما كانت الحروب تُولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تُبنى حصون السلام»، وهو قول دقيق، نتيجة خبرة إنسانية طويلة.

عكفت في الأسابيع الماضية على قراءة كتاب يقول عنوانه «صبح الشام»، والعنوان الفرعي «مذكرات الدكتور حسين أمير موسوي»، الذي توفاه الله مع الرئيس الإيراني في مايو (أيار) الماضي.

من المقدمة يفهم القارئ أن الكتاب جماعي، اشترك في وضعه عدد من الأشخاص وتحت يدهم توفرت وثائق، فهو يمثّل رأي دولة وليس شخصاً. الكتاب نُشر بالفارسية للقارئ الإيراني لإقناعه بسويّة السياسات المتبعة، ودون النظر في ترجمته إلى العربية في بيروت 2023 إلى الضرر الذي يمكن أن تسبّبه ترجمته لدى المتابع العربي! فقد أطلق عدداً من الصفات القاسية على دول الجوار لا تقبلها شعوبها.

الكتاب فيه أخطاء تاريخية واضحة، ولكن ليس الحديث هنا عن نقد الكتاب أكاديمياً، الغرض هو النظر في الآيديولوجيا التي يتبنّاها طوال الصفحات، وهي «آيديولوجيا سياسية مدمرة»، على أن أستدرك أن النقد هنا ليس للمذهب الشيعي الكريم، ولا إلى التاريخ الفارسي، النقد منصبّ على مصفوفة الأفكار السياسية التي يحملها النظام الحالي، وكم هي خارجة عن الواقع و«متناقضة» دون أن يرفّ لحاملها طرف عين.

يتحدّث الكتاب عما حدث في تونس ومصر واليمن ومن ثم سوريا، في الثلاث الأولى يُسمّي ما حدث بعد عام 2010 أنه «ربيع إسلامي»، وهو كما يرى «جزء من تأثير الثورة الإيرانية في المنطقة»، فقد انتفضت الشعوب ضد «الرئاسات اللانهائية والتوريث»! فقامت دول عربية «محافظة -سماها بالاسم- بالتعاون مع أميركا» بهندسة مضادة لإفشاله، باتجاه الضرر بالثورة الإيرانية!! أما ما حدث في سوريا فإنه «تدخل خارجي» من مجموعة مندسة في مدينة درعا. كما أن سوريا تمّت بها «انتخابات»، وتجاوز عقل القارئ، وأن مصر واليمن وتونس أيضاً كانت بها «انتخابات»! وكان «التوريث» يلوح في الأفق، أما التوريث الحقيقي فقد تمّ في سوريا! الأكثر من ذلك أن الكتاب يقرّر أن التدخل الإيراني في سوريا هو لحماية «الحرم الزينبي»، وقد تجاوز حقيقة أن الحرم كان هناك لآلاف السنين ولم يضر!! الأكثر غرابة أن الحديث عن ذم «الرئاسات اللانهائية» فيه تجاوز لحقيقة مشاهدة أن «المرشد»، بجانب كونه من صنف «الرئاسات اللانهائية»، هو دائماً معصوم!!

يستطرد الكتاب أن ما حدث في البحرين كان «ثورة» أُجهضت بسبب تدخل خارجي! يسميه!

يرى الكتاب أن الموقف من «الربيع الإسلامي»؛ إذ شعر الأميركان والمحافظون العرب، أن ما حدث هو «تطبيق الإسلام السياسي»، كما يراه مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، وكانت «أفكار الإمام تشكّل مصدر إلهام للشعوب»!!

يرى الكتاب أن من ضمن استراتيجية القوى المضادة هو «قطع أذرع إيران التنفيذية التي تحميها إيران من ضمن محور المقاومة في المنطقة»، وهي «(حزب الله) في لبنان، و(حماس) و(الجهاد الإسلامي) في فلسطين»! تعبير «أذرع إيران في المنطقة» اعتراف بحجم التدخل الإيراني من أجل، كما قال، «منع الإخلال بالأمن في إيران»! ووقف استراتيجية الولايات المتحدة بـ«قطع رأس الأفعى»، على حدّ تعبيره.

في مكان آخر يرى المؤلف أن التمهيد «للإخلال بالأمن في سوريا» تولّته شبكات تلفزيونية عربية، إذ تولّت «القصف الإعلامي التمهيدي»، في تناقض للإشادة بالدور الإعلامي لتلك الشبكات في «أثناء الربيع الإسلامي»!

الكتاب من 274 صفحة غير الملاحق، وما تقدّم هو إيجاز لما احتواه، وليس عرضاً شاملاً، والقصد هنا كيف تحكم المشهد صورة متخيَّلة وغير واقعية للآيديولوجيا السياسية التي تتبنّاها إيران في المنطقة، وهي مصفوفة جامدة وغير قابلة من نفسها لكشف التناقض، تريد فرض تصوّرها على الشعوب المجاورة.

وكل ما يتوفّر لنا من مشاهد صراعية في الشرق الأوسط اليوم نابع من تلك الآيديولوجيا، ولا بد من الاعتراف أن تلك الآيديولوجيا، رغم تناقضها الداخلي، وعدم انسجامها مع مصفوفة العلاقات الدولية، فإن بعضاً من نسيجنا الاجتماعي يعمل على تبنّيها، وهنا يتشكّل وعي كاذب، يتسبّب في كل هذا الخراب الذي نراه!

آخر الكلام: قراءة هذا الكتاب واجبة لكل متخذ قرار في المنطقة العربية، فالتغيير يبدأ في العقول!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معارك الآيديولوجيا الدموية في الشرق الأوسط معارك الآيديولوجيا الدموية في الشرق الأوسط



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية

GMT 11:42 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المصممون يضعوا لمسة "الأهداب" الأنيقة لأحذية الرقبة

GMT 23:56 2015 السبت ,11 تموز / يوليو

الأمطار تغرق المناطق المنخفضة في روالبندي

GMT 07:31 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

"THQ" تُقرر عدم إصدار لعبة "Avengers"

GMT 09:19 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

واريورز ينتصر على دالاس مافريكس في دوري السلة الأميركي

GMT 08:25 2015 السبت ,14 شباط / فبراير

ظهور ضوء مبهر وصوت هائل في سماء نيوزيلندا

GMT 10:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أمل رزق تستعد للمشاركة في مسلسل "للحب فرصة أخيرة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates