قراءة في مذكرات نزار حمدون

قراءة في مذكرات نزار حمدون

قراءة في مذكرات نزار حمدون

 صوت الإمارات -

قراءة في مذكرات نزار حمدون

بقلم : محمد الرميحي

المذكرات صَدرت هذا العام، وحرص كاتبها على القول إنه رغب في نشرها بعد وفاته (تُوفي 2003) وقد انتهى من كتابتها عام 2000، وقد كان نزار حمدون، الرجل اللامع في واشنطن ونيويورك في فترة مهمة من تاريخ العراق الحديث.

من يقرأ هذه المذكرات المعنونة «رحلة حياة دبلوماسية»، يمكن أن يُسقط الكثير من المسلمات السابقة، ويكتشف المستور في علاقة «الثوريين» مع الدول الكبرى!

يُفتتح المشهد بخلفية الرجل أنه من الطبقة الوسطى، ووالده ضابط في الحرس الملكي العراقي، وأسرة محافظة، وشب الفتى في فترة المعترك السياسي الضخم في الشرق الأوسط وفي العراق، فقد كان يحتفظ في سريره بصورة جمال عبد الناصر، جيل كان يبحث عن مستقبل، ويعيش في بيئة تنكر كل ما هو قائم، وتريد التغيير، وكان هناك تياران في العراق يتصارعان، الأول المد الشيوعي، والثاني المد القومي، على هلامية المصطلحات.

نُظم نزار كصديق في حزب البعث وتم تكليفه بعدد من المهام في الصراع ضد عبد الكريم قاسم في ستينات القرن الماضي، ثم وصل «البعث» إلى الحكم، فترقى إلى عضو عامل، وانخرط في الحرس القومي، الذي قال إنه سُلح ببنادق قديمة، وقام بمجازر! ومع تطور الصراع في العراق ترقى نزار في الحزب، إلا أنه حزب على الطريقة الشرقية، حيث الصراع داخله وبين أعضائه للوصول إلى الصدارة أعظم كثيراً من الصراع مع معارضيه، كما يستشف من المذكرات.

يتحدث عن الإعلام في تلك الفترة (فترة وجود صدام حسين نائباً للرئيس ثم رئيساً)، وكتب له منتقداً سيطرة صورته على الإعلام العراقي، يقول اختفت الصور بعد تلك الرسالة لأيام، ولكن ما لبثت أن عادت تحت تأثير وزير الإعلام نصيف جاسم، الذي يصفه بالجاهل الريفي الذي كان همه الأساس عبادة الزعيم.

لا يخفي رأيه في النظامين البعثيين في كل من سوريا والعراق، فيقول «النظامان تطورا على الصعد الداخلية بشكل مشابه، سيطرة أجهزة الأمن والمخابرات المطلقة، وتوظيف تنظيمات الحزب لخدمتها، وعبادة الشخصية، وطغيان دور الفرد القائد، والإعلام المركزي الذي يطرق رأس المواطن يومياً، وسيطرة الدولة على الاقتصاد، وفساد مؤسسات الدولة» في هذه الفقرة يلخص نزار تجربة العراق البعثي، وربما يوصف العديد من الأنظمة العربية التي صاحبت هوجة الثورات فيما بعد ستينات القرن الماضي.

يتعجب الكاتب من تحول ميشيل عفلق إلى الإسلام، الذي غيّر اسمه من ميشيل إلى أحمد، ويتساءل لو كان مسيحياً ممارساً لكان تحوله أقرب إلى المنطق، لكنه كان علمانياً، فلا مبرر غير الروح الانتهازية.

رسائل نزار حمدون إلى صدام حسين، أعاد نشرها، وتنم عن شخصية مثالية، سواء في رأيه في العلاقة بين السنة والشيعة في العراق، أو في مسيرة الحرب مع إيران، إلا أنه يقول «نحن كعرب نتميز بإيجابيات وسلبيات العواطف الجياشة، التي ترافق كل منعطفات نضالنا، فبين الأسود والأبيض لا توجد درجات لونية»! وكلما كان الشخص القريب من القيادة يغذي في القائد «رغباته بجنون العظمة، ونزعة السيطرة» استقر في كرسيه!

صلب المذكرات هي تطور العلاقة أو إعاقتها بين عراق «البعث» والولايات المتحدة، وأيضاً التفاصيل الدقيقة لمقدمات ونتائج احتلال الكويت ومن ثم تحريرها عام 1990 - 91، وهي تفاصيل تستحق أن تناقش وتُمحص.

يقول عما سماه «مرحلة الدلال مع أميركا» إن أميركا «دفعت خمسة مليارات للنظام، بعد أن تحدث صدام مع مسؤول أميركي وقال له: نحن نتفهم حاجة إسرائيل للأمن»! إلا أن الكاتب في نهاية المطاف، بعد أن يشرح التذبذب في اتخاذ القرارات (الحمقاء)، يخطئ قيادته في الإقدام على مثل تلك المغامرة الكبرى، وهي احتلال الكويت، وهي «فترة سوداء داكنة» أدَّت إلى «كارثة كبرى حلت بالعراق» كما يرى.

ما يمكن لفت النظر إليه في تلك المذكرات، هو كيفية تعبئة الشباب العربي للانخراط في الأحزاب الانقلابية، وإن كان عصر «البعث» قد انقضى، وعصر القوميين تبعه هو الآخر، إلا أن تكتيك استقطاب الشباب العربي للمجموعات الانقلابية ما زال قائماً، وهو تكتيك يعتمد على ازدراء الواقع وشيطنته، وزرع أحلام وردية للمستقبل محمولة على أوهام، وقد أصبح الإسلام الحركي هو السائد في العقود الأخيرة، ويستخدم التكتيك نفسه في تعبئة الشباب، على الرغم من الفشل الذي لاقاه ذلك الإسلام الحركي في الحكم، كما حدث مثلاً في السودان، إلا أن تنظيمات تلك الحركة الانقلابية ما زالت فاعلة في فضائنا العربي، فهل كتب علينا أن نعيد تلك التجارب، القائمة على نبذ الآخر وتعظيم الأصنام السياسية وخراب الأوطان!

آخر الكلام: قراءة المذكرات تبين أن ما يقال في الحجرات المغلقة غير الخطاب الزاعق المعلن للطفولة الثورية العربية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة في مذكرات نزار حمدون قراءة في مذكرات نزار حمدون



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية

GMT 11:42 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المصممون يضعوا لمسة "الأهداب" الأنيقة لأحذية الرقبة

GMT 23:56 2015 السبت ,11 تموز / يوليو

الأمطار تغرق المناطق المنخفضة في روالبندي

GMT 07:31 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

"THQ" تُقرر عدم إصدار لعبة "Avengers"

GMT 09:19 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

واريورز ينتصر على دالاس مافريكس في دوري السلة الأميركي

GMT 08:25 2015 السبت ,14 شباط / فبراير

ظهور ضوء مبهر وصوت هائل في سماء نيوزيلندا

GMT 10:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أمل رزق تستعد للمشاركة في مسلسل "للحب فرصة أخيرة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates