عباس و الخطة ب

عباس و الخطة "ب" ...

عباس و الخطة "ب" ...

 صوت الإمارات -

عباس و الخطة ب

بقلم - محمد الرميحي

ما إن أعلنت السلطة الفلسطينية نيتها تغيير الحكومة، حتى انفجرت التصريحات المختلفة، بعض قال إن القضية ليست في تغير الوجوه، بل في تغيير المنهج! لكن لم يتبرع أحد بوضعنا في صورة المنهج الذي يقترح. مع إعلان تغيير الحكومة عادت نغمة أنه يجب التخلص من محمود عباس، في تناقض واضح بين التفرقة بين الأشخاص، والمنهج، هو دليل إلى علو الصوت الشخصي بدلاً من الموضوعي.

تزامن ذلك الإعلان مع عقد مؤتمر أو تجمع للفصائل الفلسطينية في موسكو، وهو العنوان الخطأ في الوقت الخطأ، فيما أوراق القضية معظمها، إن لم يكن كلها، في الغرب (أوروبا وبخاصة الولايات المتحدة)، والذهاب إلى موسكو في هذا التوقيت هو عمل خارج نطاق التوقيت الصحيح على الأقل، فبين موسكو والغرب حرب شعواء بالنار والحديد والتجارة والمقاطعة، والذهاب إلى هناك يعني ضمن ما يعنيه الانحياز في تلك المعركة والتي ليس للفلسطيني فيها ناقة ولا جمل، كما أنه ليس لدى موسكو اليوم ما تقدمه على الصعيد الدولي، كونها محاصرة وغير قادرة على التأثير.

لم يتبرع أحد ممن استمعت إليهم في الحوارات المختلفة على وسائل الإعلام بوضعنا في صورة الخطوط العريضة للمنهج الذي يجب أن يُتبع، لذلك كمواطن مهتم بالقضية وبإفرازاتها السامة في الجوار، أتبرع بوضع منهج وخلاصته اتباع المدرسة الغاندية، وهو تعبير منسوب إلى ألمهاتما غاندي، وصراعه لتحرير بلده الهند من المستعمر، ومنهجه السلمي في ذلك.

الرجل نشأ وتعلم في جنوب أفريقيا في بداية القرن العشرين، وشاهد ما يفعله المستوطن الأوروبي في الشعب المحلي الأسود، وعلى الرغم من أن الجالية الهندية في جنوب أفريقيا كانت الوسيط بين البيض والسود هناك، حيث كانت تملك التجارة وبعض الأعمال المكتبية والفنية، إلا أن غاندي وجد أن التعامل الفوقي للبيض أمر لا يطاق، وهكذا عاد إلى بلده الهند التي كانت ممزقة سياسياً وعرقياً من أجل، أولا توحيدها ضد المستعمر، وثانياً تخليصها من المستعمر، إلا أن ما حمله من جنوب أفريقيا هو فكرة مركزية "أن الكفاح ضد مستوطن أو مستعمر مدجج بالسلاح يجب أن يكون سلمياً"، فكانت معركته الأولى هي التوحيد، وقد جمع حوله نخبة هندية تقريباً من كل الملل المعروفة، على رأسها الهندوس والمسلمون، ثم قراءة الواقع قراءة صحيحة، فالصراع مع المستعمر إن أخد طريق العنف (السلاح) فإن الأخير يملك من العدة والعتاد ما يفوق ما يمكن أن تملكه الحركة الوطنية الهندية، وذلك سوف يسبب مذابح وفي طريقها تأخذ الصف الوطني الهندي إلى التفكك، فقرر أن يكون الكفاح سلمياً ولا ترفع بندقية واحدة ضد المستعمر حتى لو فتح مدافعه على الجماهير.

كان رد المستعمر هو الحصار الاقتصادي لأنه لا يستطيع أن يقتل عشرات آلاف العزّل، فاتخذ غاندي ورفاقه الرد الاقتصادي المضاد، فعندما رفعت ضريبة الملح على السكان، قاد مسيرة طويلة إلى البحر، لإنتاج الملح للجمهور بيد الجمهور نفسه!

قراءتي لموقف السلطة العملي أنها تريد أن تأخذ ذلك الطريق السلمي، هو صعب وخطر، ولكنه الطريق المتاح في ظل التوازن في العتاد، إلا أنها لم تعلن ذلك بكل وضوح ولم تضع له خطة ممكنة التنفيذ، بسبب تلك المزايدات التي تأتي من قوى فلسطينية اتخذت "المراهقة السياسية" طريقاً للشعوبية، والمظلومية لاستدرار العواطف، من دون التبصر في الممكن، وخلفت وراءها جيشاً من المقتنعين بأطروحات، ساعدها في ذلك فقر المعرفة من نخبها من جهة، وعمق آلام الجمهور وشعوره بالغبن من جهة أخرى.

إلا أن القيادة هي شجاعة، لنا في الصراع المصري بعد ثورة عام 1919 مع البريطاني المحتل، مثال آخر، فقد قررت نخبه آن ذاك، أولاً تأكيد وحدة الهلال والصليب، وثانياً إشراك أكبر عدد من الجمهور في الصراع السلمي من أجل التحرير، والذي طال أمده، ولكنه حقق غالباً بالعمل السلمي، لا العسكري، نتائجه المرجوّة.

ظروف القضية الفلسطينية وملابساتها تتطلب العمل السياسي السلمي، هي ليست في جبال الجزائر، ولا في غابات فيتنام، كلتاهما وأمثالهما تحقق لهما شرطان، بيئة جغرافية مساندة، وقوى داعمة متصلة على الأرض (جبال الجزائر) كانت لها معسكرات خلفية في الأرض المغربية، وغابات فيتنام كانت خلفها الصين المتصلة أرضاً.
فالنموذج الذي يتوقع أن ينجح في صراع الفلسطينيين ليس الصراع بالسلاح، ولكن الصراع بالوحدة معززة بعمل سلمي إيجابي، يهجر المظلومية ويتجه إلى الإيجابية وبعض تجاربهم تدل إلى ذلك.

على سبيل المثال، عاد عدد وازن من الفلسطينيين إلى أرضهم بعد اتفاق أوسلو، وبنوا جامعاتهم ومستشفياتهم، كما تقدمت قضيتهم بعد الانتفاضتين الأولى والثانية، وكان جلها عملاً شعبياً قريباً إلى المقاومة السلمية وباشتراك الجميع.

توازن القوى الذي لا يريد أن يراه البعض، هو ليس مع القوة العسكرية الإسرائيلية فقط، ولكنه مع الصهيونية المسيحية، بخاصة في الولايات المتحدة، وفكرة الهولوكوست والعداء للسامية في الأوساط الأوروبية، تلك الجدران النفسية والفكرية التي تطغى في الرأي العام الغربي، هي التي تجعل التعاطف مع تلك الجثث والضحايا في غزة في أقل مستوياتها، كما تجعل المناصرة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا للصهيونية في أعلى مستوياتها، رغم ما يجري أمامها من مجازر.

الحاجة إلى تخفيض وازن في نسبة المزايدات مطلوب اليوم من النخب الفلسطينية، بخاصة بعد تجربة غزة الدامية، والتي اعتقدت بعض الفصائل أن هناك قوى في ما عرف بمعسكر المقاومة سوف تسندها بالفعل لا بالكلمات، بالنار لا بالعواطف، وتبين أنها كلمات فقط للاستهلاك، وفي أحسن الأحوال من أجل أجندات ليست لها علاقة بتحرير فلسطين!

الخطة "ب" يجب أن تعلن ويعمل بها جهراً، وعلى رأس تنفيذها التحرر من القوى التي تدعي المساندة والاعتماد على النفس وعلى شارع عربي ما انفك مؤيداً للحق الفلسطيني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عباس و الخطة ب عباس و الخطة ب



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية

GMT 11:42 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المصممون يضعوا لمسة "الأهداب" الأنيقة لأحذية الرقبة

GMT 23:56 2015 السبت ,11 تموز / يوليو

الأمطار تغرق المناطق المنخفضة في روالبندي

GMT 07:31 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

"THQ" تُقرر عدم إصدار لعبة "Avengers"

GMT 09:19 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

واريورز ينتصر على دالاس مافريكس في دوري السلة الأميركي

GMT 08:25 2015 السبت ,14 شباط / فبراير

ظهور ضوء مبهر وصوت هائل في سماء نيوزيلندا

GMT 10:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أمل رزق تستعد للمشاركة في مسلسل "للحب فرصة أخيرة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates