لماذا يستمر هذا الظّلام

لماذا يستمر هذا الظّلام؟

لماذا يستمر هذا الظّلام؟

 صوت الإمارات -

لماذا يستمر هذا الظّلام

بقلم : محمد الرميحي

تحيط ببلادنا العربية الكثير من الغيوم السياسية الداكنة التي تلازمنا منذ فترة، وبخاصة منذ الفترة الثورية، ومن تجلياتها ما يحدث اليوم للإنسان في كل من السودان وليبيا والعراق وسوريا واليمن وعدد آخر من الشعوب التي تدفع ثمناً إنسانياً باهظاً، ويتم في الوقت نفسه نقد "الثوريين" التجربة الناجحة من التنمية والتسامح في الدول التي لم تصبها لوثة "الثورية"، كما في دول الخليج.

حتى نعرف ما هي أسباب تراكم هذه الغيوم في تلك المجتمعات، علينا أن نتعرف إلى ماضيها السياسي القريب في نصف القرن الماضي على الأقل.

أمامي مثالان، لعلهما يفيان بشرح الأسباب التي تجعل من هذا الظلام مستمراً في العراق وليبيا.

الأول اللقاءات التي انتهت أخيراً في محطة "العربية" وقدمها طاهر بركة في برنامجه مع وزير الزراعة العراقي الأسبق كريم التميمي. وكانت تلك الحلقات مثيرة لأنها سردت معايشة رجل آمن بمبادئ قيل له إنها "منقذة للأمة"! وكان شجاعاً عندما بدا له وهو وزير للزارعة أن هناك عصابة تحكم العراق، وتستولي على الأرض والثروات، وأن حياة الإنسان في يد تلك العصابة لا تساوي فلساً، فجهر برأيه، وجاء العقاب، ليس له فقط، بل لأهله، إذ انتحر ابنه خوفاً من تهديد تلك العصابات، وتوفيت زوجته وألقي به إلى السجن. القصة بتفاصيلها متاحة على اليوتيوب، وهي واحدة من عشرات الآلاف من القصص التي عرفها العالم عن ذلك النظام المتوحش الذي لم يكن له هدف غير البقاء في السلطة بأي ثمن، وتحت غطاء كثيف من الشعارات التي للعجب، صدقها العامة، وما زال بعضهم يفعل!

ولأن ذلك أصبح متاحاً، فإن التفصيل في المثال الأول لم يعد المتابع بحاجة إليه.

أما المثال الثاني فهو الأغرب، وهو قصة السيدة دعد شرعب، اسم يكاد يكون مجهولاً للكثيرين، وقد نشرت كتاباً بالإنكليزية عنوانه "أنا والكولونيل"، والمقصود بالكولونيل هو العقيد معمر القذافي. ما سردته تلك السيدة أغرب إلى الخيال، وربما لم تنشر كل ما تعرف، أو كل ما يجب أن يقال، فعند قراءة الكتاب يشعر القارئ أن هناك فراغات غير مفهومة أو غامضة في علاقة رمادية.

تبدأ بالقول إنها ولدت وعاشت طفولتها في المملكة العربية السعودية لأب أردني/ فلسطيني (وهي حالة الآلاف من أمثال تلك الأسرة) كان في البداية مدرساً، ثم تحول إلى صاحب أعمال كوّن ثروة كبيرة، ولم تجد غضاضة في نقد الأوضاع الاجتماعية في مجتمع أتاح لأسرتها ثروة. أخذت الثروة الأسرة إلى عمان لتدخل دعد الجامعة وتتخرج للعمل وسيطاً مالياً!

بالصدفة البحتة تدعوها صديقة إلى مؤتمر المرأة في ليبيا عام 1988، وهنا يأتي معمر القذافي ليلقي كعادته خطبة "عصماء" طويلة، قامت بعدها السيدات المدعوات من العالم بإزجاء كل الكلام الطيب على موقف القذافي في مناصرة المرأة. دعد كانت الأصغر في كل المجموعة وجلست في آخر القاعة. تسرد أن ردود فعل السيدات لم تعجبها فرفعت يدها بسؤال، فسأل القذافي عن خلفيتها فقالت: من الأردن. أنت أردنية أم فلسطينية؟ قالت: أردنية من أصل فلسطيني. تقول ارتاح إلى الإجابة، وكان سؤالها: تحدثت لنا عن تحرير المرأة، ولكن لم نر زوجتك هنا؟ تردد وقال بعد تفكير: لا أريد لزوجتي أن تكون جيهان السادات الثانية!! انتهت الجلسة، وبدأ ضميرها يؤنبها على ذلك التسرع. في الحادية عشرة مساءً سمعت طرقاً على باب حجرتها في الفندق، فتحت فإذا بضابطين يقولان لها: العقيد يريد مقابلتك!

من تلك اللحظة أصبحت لدعد حياة أخرى، وبعد المقابلة تقرر أن تكون مستشارة لجهاز ليبيا الاستثماري، ومن ثم صرح لها القذافي بأنه يريدها أن تكون مستشارة له.

قصة تأخذها إلى أن تختلط بكبار رجال الأعمال في الغرب والشرق، منهم عدنان خاشقجي في عصره الذهبي والوليد بن طلال، وعدد من كبار الشخصيات، بل أصبحت لها حصة في النفط الليبي، وقصص أخرى باذخة تظهر كم الفساد الذي كان يحيط بـ"الأخ القائد"، وكم الازدراء الذي تحمله دعد للأسرة الحاكمة القذافية، وصراع السلطة في ذلك النظام بين أفرادها الكبار.

تشير دعد إلى ازدرائها زوجة القذافي البدوية الجاهلة ونظام مخابراته المتوحش والفساد المالي والتصفيات التي قام بها نظامه لمعارضيه في عواصم العالم وإسقاطه الطائرات (فرنسية وأميركية) والكثير من القصص التي تخلط بين الشخصية والعملياتية.

الكتاب فيه تفاصيل، وكما قلت فيه فراغات سردية يستطيع القارئ أن يخمنها!
ما هو مجمل هنا هو كيف استطاعت عصابات لا أكثر، أن تتحكم في بلدان فيها ثروة وبشر وفي وسط علاقات دولية معقدة؟ كيف أمكنها ذلك ولفترة طويلة؟ والسؤال الأكثر وجعاً: كيف يمكن تبرير أن يكون وقتها، وما زال إلى اليوم، هناك شرائح عربية تبدي إعجاباً شديداً بتلك الأنظمة وزعاماتها العَصابية والعِصابية، فقط لأنها قالت للناس إنها سوف تحرر فلسطين؟ كم من الغفلة يحملها ذلك القطاع من الناس، وهم الآن يحملونها لأنظمة ظلام مشابهة، أو لقوى ميليشيوية مشابهة همّها جمع المال وقتل المختلفين بدم بارد، ومع ذلك يصفق لها، ليس العامة فقط، بل بعض من يصفون أنفسهم بالمثقفين! هؤلاء يصبون جام غضبهم اليوم على بلدان الخليج الأكثر تسامحاً، ويحنّون إلى عصور الظلام تحت الشعارات المضللة نفسها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا يستمر هذا الظّلام لماذا يستمر هذا الظّلام



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية

GMT 11:42 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المصممون يضعوا لمسة "الأهداب" الأنيقة لأحذية الرقبة

GMT 23:56 2015 السبت ,11 تموز / يوليو

الأمطار تغرق المناطق المنخفضة في روالبندي

GMT 07:31 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

"THQ" تُقرر عدم إصدار لعبة "Avengers"

GMT 09:19 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

واريورز ينتصر على دالاس مافريكس في دوري السلة الأميركي

GMT 08:25 2015 السبت ,14 شباط / فبراير

ظهور ضوء مبهر وصوت هائل في سماء نيوزيلندا

GMT 10:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أمل رزق تستعد للمشاركة في مسلسل "للحب فرصة أخيرة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates