«لو كان رجلاً لقتلته»

«لو كان... رجلاً لقتلته»

«لو كان... رجلاً لقتلته»

 صوت الإمارات -

«لو كان رجلاً لقتلته»

بقلم : د. آمال موسى

من الأقوال المأثورة التي اكتسبت صيتاً عند الناس ولاقت صدى في قلوبهم وعقولهم مقولة: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته»، رغم أن هذه المقولة هناك اختلاف بين العلماء حول نسبها إلى الخليفة عمر بن الخطاب أو الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما).

بيت القصيد أن هذه المقولة لاقت هوى عند كل من يسمعها حتى إنها تعلق في الذاكرة ولا تحتاج إلى أي جهد يُذكر لحفظها عن ظهر قلب، وهي ضد النسيان. وأغلب الظن أن مصداقيتها القوية المتراكمة عبر الأزمنة والعهود والقرون والمجتمعات هي التي أهَّلتها كل هذه السلاسة المُرّة.

يقول تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمناسبة إحياء العالم أمس، اليوم الدولي للقضاء على الفقر، إن نحو أكثر من مليار شخص يعانون الفقر الحاد المتعدد الأبعاد. وكما نعلم فإن القضاء على الفقر يأتي على رأس خطة أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030. ولا تفوتنا الإشارة إلى أن هذا الرقم الهائل يخص فقط ضحايا الفقر الحاد ولا يشمل كل فقراء الأرض المصنفين وفق شدة الفقر وحدِّته، وهو ما يعني أننا أمام معضلة إنسانية حقيقية لا نفعل من أجل تذليلها، أو لنقُل من أجل الإطاحة بالفقر إلا ما يزيد في قوته.

تبدو مخرجات التقارير والبيانات الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التي نشرتها هذه الصحيفة في عددها الصادر أمس على غاية من الأهمية، وذلك لاعتبارين اثنين أولهما محاولة قراءة معوقات خفض معدلات الفقر التي تمثل في حد ذاتها خطة واضحة ومحكمة للقضاء على الفقر. أما الاعتبار الثاني فهو تأكيد أن القضاء على الفقر هدف شكلي يفتقر إلى الإرادة الدولية الحقيقية لتحقيقه.

تقول المخرجات الواردة إن عدد الفقراء في مناطق النزاع المسلح يرتفع ثلاث مرات مقارنةً بالمناطق الهادئة والمستقرة، الشيء الذي يفيد بكل بساطة ومن دون بذل عناء يُذكَر في التحليل أن السلام شرط أساسي في القضاء على الفقر، وأن الحروب والتوترات سبب لتدهور أوضاع الناس ولمزيد من تهميشهم اقتصادياً واجتماعياً، فإذا بهم مشتتون ولاجئون يفترشون الشوارع ومدناً ليست مدنهم. لذلك فإن أي فيتو على إيقاف حرب أو منعها هو فيتو ضد القضاء على الفقر. مع العلم أن الحروب تضرب المقدرة الاقتصادية للبلدان المستهدفة لأن ثرواتها حتى في صورة نهاية الحرب ستوجَّه لدرء مخلفات الحرب وليس لرفاهية الإنسان.

إذاً الفقر يحل مع دق طبول الحرب حتى وإن تأخر، لأن من مصلحته انتظار الاستنزاف الشامل والتدمير سواء في القدرات أم العمران أم النفوس.

لنأتي إلى نقطة أخرى لا تقلّ أهمية: ما الفئة العمرية المستهدفة أكثر من غيرها من الفقر الحاد؟

إنهم الأطفال وذلك بنسبة تفوق 50 في المائة. أي إننا في عالم يجوع أطفاله، وهو أمر مخزٍ جداً، ويشبه شعور أب عاجز عن إطعام أبنائه. كما أن معاناة هذه الفئة العمرية من الفقر الحاد تصنَّف أنها ضحية سوء توزيع الثروات في بلدان العالم، مما يعني أن السياسات التنموية، وخطط خلق الثروات، والعدالة الاجتماعية، ورفاهية الإنسان، وجودة الحياة، وحقوق الإنسان، غير مجدية كما يجب. هذا إضافةً إلى أن أكثر من نصف مليار طفل يعانون الفقر الحاد، مما يعني أن العالم يعيد إنتاج العنف والإرهاب والجريمة والاحتقان بيديه الملطختين بدموع الأطفال.

أما في خصوص توزيع ضحايا الفقر الحاد حسب الوسط الاجتماعي، أكان ريفياً أم حضرياً، فإن مخرجات التقرير المشار إليه فاجأتنا بمعلومة مفجعة، وهي أن أكثر من ثلاثة أرباع الفقراء من النوع الحاد يقيمون في الأرياف، أي إن التقرير ركز على الوسط الريفي ولم يتناول أحزمة الفقر في المدن ومتاخمتها في أغلب المدن لأكثر الأحياء ثراءً. كما أن التقرير يشير الى أن أكثرية المليار شخص الذين يعانون من الفقر الحاد تتمركز في أفريقيا وآسيا.

ما يمكن تلخيصه هو أن الفقر الحاد يتضاعف في مناطق التوتر والحروب ويمس الأطفال بشكل خاص ويداهم سكان الأرياف أكثر من المدن، وكما نلاحظ فإن هذه المخرجات بوصفها عناوين كبرى واستنتاجات مؤكَّدة بالأرقام فهي في حد ذاتها تمثل خطة عمل واضحة الطريق إذا كانت فعلاً هناك إرادة صادقة للقضاء على الفقر.

من جهة أخرى، رغم وضوح الخطة والطريق لمعالجة الفقر، فإن هناك استثماراً في الفقر الحاد، وهو ما يلبي مصالح دولية كبيرة، ناهيك بعدم اقتناع العقلية الدولية السياسية بأنْ لا مصلحة لأحد في الفقر، وأنَّ كل الحل هو في خفض المعوقات من طريق معالجة الفقر الحاد.
كُتّاب الشرق الأوسط
المزيد
الأكثر قراءة

    اليوم
    الأسبوع

1
مصدران في «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: تأكيدات بمقتل السنوار
2
غزة... «صدفة» تقتل «صانع الطوفان»
3
الجيش الإسرائيلي: دبابة قتلت السنوار... ومسيّرة اكتشفت هويته بعد ساعات
4
قاذفات «بي-2» الأميركية تنفذ 5 ضربات على مخازن أسلحة للحوثيين في اليمن
5
انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«لو كان رجلاً لقتلته» «لو كان رجلاً لقتلته»



GMT 19:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تحت البحر

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

انتصرنا

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكر السياسي سيرورات لا مجرّد نقائض

GMT 19:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

«إنت بتفهم في السياسة أكتر من الخواجه؟!»

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس ترمب؟!

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة العشرين وقمة اللاحسم

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لو أنه أنصف لبنان

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مأساوية الحرب وأفكار النهايات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates