بقلم:د. آمال موسى
عندما يكون السقف الزمني المحدد لبلوغ أي نتائج أو أهداف بعيداً وتفصلنا عنه سنوات، فإنَّنا عادة ما نتوسع في رسم الأحلام ورفع سقف الانتظارات والنجاحات. كأنَّ بالمسافة الزمنية الطويلة الفاصلة تمنحنا حرية الحلم والتوقع.
غير أنَّه بمجرد بداية العد التنازلي الزمني واقتراب الموعد والتاريخ المحدد، فإنَّ الأمر يختلف شيئاً فشيئاً. في هذا السياق، من المهم التذكير بأنَّه قبل هذه الأجندة كانت هناك أجندة أخرى، واضطر المجتمع الأممي لتقديم أجندة أخرى، فكانت أجندة تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.
هذه الديباجة أردناها مدخلاً لتناول أجندة تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي لا تفصلنا عنها سوى ست سنوات لا غير، ولا نعتقد أنَّ الفترة المتبقية تكفي لتحقيق أهداف في مستوى ضخامة أهداف التنمية المستدامة.
طبعاً، وكي نتوخى الصراحة المطلوبة لا ننكر أن الموعد المضروب أممياً لسنة 2030 لا يكفي من البداية لتحقيق الأهداف، ولكن في النهاية ولتحقيق الفاعلية لا بد من تحديد تاريخ، وأغلب الظن أنَّ الهدف غير المعلن هو التقدم في تحقيق هذه الأهداف، لأنَّ إحراز التقدم في حد ذاته يمثل نجاحاً وإصابة للأهداف المرسومة.
إذن، من الواضح أنَّنا لا نقصد البتة أنَّ الاتفاق الأممي حول تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحديد تاريخ لذلك كان يقوم على مقاربة مثالية يقينية واثقة بأنه في عام 2030 ستنتقل البشرية إلى عالم مثالي لا جوع فيه ولا فقر ولا أميّة. فالمعنى الواضح والمسكوت عنه أنَّ التحدي يكمن في إحراز تقدم وخلق تنافسية بين الشعوب والدول.
هذا مفهوم. بل إنَّه منطقي جداً. ولكن المشكل ليس عدم بلوغ تمام الأهداف، بل في التراجع بدل إحراز التقدم. ذلك أنَّ الهدفين الأولين على سبيل المثال: الهدف المتصل بالقضاء على الفقر والهدف المتعلق بالقضاء على الجوع، كلاهما قد ازداد تفاقماً خلال السنوات الأخيرة، واليوم العالم غارق في الأزمات الاقتصادية، وفي تزايد عدد المهمشين والفقراء... ومن ثمة، فإن تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والشعار «لا أحد خلف الركب»؛ كلها باتت محاطة بالاستفهامات.
أمام هذه التعثرات التي شهدتها الأجندة يصبح لا معنى لمواصلة السباق نحو 2030، والحال أنَّ أزمة «كورونا» فعلت بالشعوب عامة والشعوب ذات الصعوبات الاقتصادية خاصة ما فعلت من شلل اقتصادي ومن تضرر المؤسسات الصغرى والمتوسطة. من دون أن نشيرَ إلى الحرب الروسية الأوكرانية، وآثارها الاقتصادية، وأيضاً تغييرات المناخ وما ينجر عنها من ضرر مضاعف للفئات الهشة، ومن تهديد للأمن الغذائي في بلدان كثيرة.
فالوضع ازداد صعوبة، مقارنة بما كان عليه العالم لحظة وضع هذه الأجندة. لذلك، فإنّه من المهم عدم انتظار تاريخ 2030 والقيام بتعديلات ومراجعة وتحيين (تحديث). وهنا لا بد من تجاوز مقاربة السقف العالي، ووضع مؤشرات وحد أدنى من مسار بلوغ كل هدف من الأهداف السبعة عشر. ولا بد أيضاً من تحديد نصيب كل طرف دولة وقطاع خاص ومجتمع مدني في تحقيق الحد الأدنى المضبوط بدقة متناهية. وهنا، نقصد مؤشرات كمية باعتبار أن مدونة الأهداف لا تخلو في الحقيقة من مؤشرات، ولكن من الصعب إخضاعها للقياس الكمي. بمعنى آخر؛ فإن المطلوب هو أن تعرف كل دولة كم يجب أن تحقق، وأن توضع مجموعة من تواريخ دورية للتقييم بشكل يمكن الأمم المتحدة من تحديد نقاط كل دولة بشكل كمي موضوعي مبني على البيانات في كل سنة، مع تحديد إسهامات الأطراف الثلاثة المعنية بتحقيق أهداف التنمية المستدامة في كل بلد.
بلغة القانون نحن في حاجة إلى تنقيح لأجندة تحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل يتسم بالواقعية والمصداقية والطموح المعقلن.
في الحقيقة، فإن العالم يحتاج إلى التنمية المستدامة، ومن الجيد القول إن استيعاب أهدافها ومنهجيتها قد قطعت فيه الإنسانية الخطوات الجيدة، ولكن فلسفة التنمية المستدامة قامت على فكرة القضاء على الفقر والجوع والتعليم الجيد والصحة، وتقوم بشكل مرئي على تحقيق فعلي لحقوق الإنسان. لذلك؛ وأمام ضخامة هذه الأهداف، وبحكم تفاعلها مع الأحداث والتغييرات، وتأثرها إيجاباً وسلباً، فإن المنطق يفرض علاقة ديناميكية في بناء هذه الأجندة، وتقييم مستمر لقدرات البلدان في مدى الإيفاء بالأهداف المتعهد بها.
طبعاً، رغم كل شيء، يظل نجاح الإنسانية في وضع هذه الأجندة المتكاملة الشاملة الرؤية يعد هدفاً تم بلوغه.