الدولة اجتماعية ولو بمقدار

الدولة اجتماعية ولو بمقدار

الدولة اجتماعية ولو بمقدار

 صوت الإمارات -

الدولة اجتماعية ولو بمقدار

آمال موسى
بقلم : آمال موسى

تعرف الدول التي لم تنخرط في الليبرالية بالشكل الذي يرتضيه الليبيراليون صعوبات عدة وضغوطاً مباشرة وغير مباشرة باعتبار أنَّ الخوصصة والليبيرالية لهما مريدون وأصحاب المصالح الذين يتميزون بقوة النفوذ والتأثير.

ونعتقد أنَّ هذا الموضوع من المهم أن يحظى بالنقاش والتفكير المعمق والمسؤول والنقاش وصولاً إلى الحسم. وهنا لا بدَّ من توضيح نقطة، وهي أنَّه نظرياً يمثل تحرير الاقتصاد كلياً راحة أكبر للدولة حيث إنَّها لن تصبح المسؤولة عن الفقر والبطالة، وسيتحمل القطاع الخاص الوزر الكامل، ولكن على طريقته التي لا تعترف إلا بالقوي والمنتِج.

أيضاً لا يمكن الحديث عن كيفية تحقيق المعادلة بين استمرار القطاع العمومي وتقوية القطاع الخاص وتحرير الاقتصاد دون استحضار أهم تجربة على امتداد العقود الأخيرة، وهي تجربة «كوفيد - 19»، فهي تجربة أزهقت أرواح عائلات وملايين من سكان العالم، ولكن أيضاً ضربت الليبرالية في العمق إلى درجة أنَّه تعالت أصوات من النخب تنعى الليبرالية وتكشف أنانيتها وتوحشها، وفي مقابل ذلك رأينا دعوات لاستعادة الدولة وظيفتها ومكانتها، لأنَّه في الجائحة الدول هي التي حاربت من أجل شعوبها، في حين أنَّ هاجس الربح كان مهيمناً على أصحاب المصحات التي لا تعالج إلا من يمتلك سعر العلاج.

إنَّ هذه التجربة وغيرها كثير تؤكد أنَّ القطاع الخاص لا يمكن التعويل عليه في الأزمات. بل إنَّه يمكن أن يعمّقَ الأزمات، باعتبار التخلي السهل على العمال والموظفين وتركهم في وضع بطالة، مما يضاعف من أعباء الدولة.

مشكلة القطاع الخاص تتعلَّق بفلسفته التي تقوم على كيفية تحقيق الربح، ولكن لم ترتقِ هذه الفلسفة كما يجب من ناحية الاهتمام بالبيئة الاجتماعية التي يتم فيها تحقيق الأرباح. ولم يتم التفطن إلى أهمية ذلك من ناحية ضمان استمرار الربح عل الأقل. طبعاً لا ننكر أن القطاع الخاص، خصوصاً الشركات الكبرى والمؤسسات المالية، يحاول القيام بذلك من خلال ما يُسمَّى المسؤولية المجتمعية التي لا تزال متقشفة ولم تُستوعَب جيداً، حيث إنَّ الغالب على تفكير أصحاب المؤسسات المنخرطة نسبياً في المسؤولية الاجتماعية أنَّها تساعد الدولة في تأمين بعض المرافق أو التدخلات الاجتماعية، ولا تقارب المسألة بعين المستفيد وبعين المؤمن بأن لا مستقبل للاستثمار والربح وتراكمه وتوسعه، إلا في بيئة اجتماعية آمنة من الفقر والاحتقان والبطالة والجوع.

بشكل عام، فإنَّ غالبية دول الفضاء العربي الإسلامي وغيرها تعرف هذه الصعوبات التي يكمن التخفيف من حدتها في الإجابة عن السؤال التالي: كيف نحدّد درجة تحرير الاقتصاد، وما القطاعات التي يجب أن تكونَ بيد الدولة؟

إجابات هذا السؤال ليست واحدة، بل هي متعددة ومختلفة باختلاف المجتمعات وسياقاتها ومؤشراتها أيضاً، وكلما كان هناك فقر وبطالة استحالت الليبرالية الواسعة والمهيمنة وفرض الواقع بالضرورة دوراً اجتماعياً للدولة متنامياً.

فالدولة لا بد أن تكون اجتماعية، ولو بمقدار. ولا يمكن إفراغ الدولة من هذا الدور لأنَّه ساعتها سيكون التعليم والصحة في خطر كبير، وتصبح هي المسؤولة إذا تفشى الجهل والأمراض والأمية، ومن ثمّ فإنَّ مثل هذه الأخطار ليست في صالح أي اقتصاد ولا قطاع خاص.

لقد أثبتت مختلف الأزمات أنَّ الدولة هي التي يُعوَّل عليها لحماية الشعب. ومن هذا المنطلق، فإنَّ عدم المغامرة بسلب كل وظائف الدولة وإفراغها من دورها الاجتماعي هو القرار الأسلم والعقلاني والمسؤول، من أجل ضمان الحد الأدنى من الرعاية والخدمات للفئات التي تعاني من هشاشة اقتصادية، وما أكثرهم اليوم، بعد أزمة «كوفيد 19»، واضطرار المؤسسات الخاصة الصغيرة إلى الإغلاق وتسريح العمال والموظفين.

من ناحية أخرى، لقد رأينا في الدول الليبيرالية كيف باتت السلطة الاقتصادية سلطة سياسية في الوقت نفسه، ومنها تنتج النخب السياسية، وفي أقل الحالات بمالها تصل إلى سدة الحكم. وهو ما يعني أنه سيصبح هناك هيمنة اقتصادية على القرار السياسي، وهذا خطر عميق، حيث سيتم الانتقال إلى تبعية السياسي لرجل الاقتصاد، أي أنَّ المال هو الذي سيسيِّر لعبة الحكم.

طبعاً ليس المراد بهذه الأفكار شيطنة القطاع الخاص الذي يمثل طرفاً أساسياً في الاقتصاد ومحركاً مهماً للعجلة الاقتصادية، ولكن هذا لا يعني أن ننخرط في التحرير الكامل وتسليم الاقتصاد إلى يد القطاع الخاص الذي مهما كان فهو ليس الدولة.

فنعم لاقتصاد منفتح ومتحرر، ولكن بمقدار، وليس على حساب إضعاف الدولة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة اجتماعية ولو بمقدار الدولة اجتماعية ولو بمقدار



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 10:18 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كارينا كابور في إطلالة رشيقة مع أختها أثناء حملها

GMT 15:51 2019 الإثنين ,13 أيار / مايو

حاكم الشارقة يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل

GMT 15:56 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت

GMT 12:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

قيس الشيخ نجيب ينجو وعائلته من الحرائق في سورية

GMT 11:35 2019 الخميس ,09 أيار / مايو

أمل كلوني تدعم زوجها بفستان بـ8.300 دولار

GMT 08:09 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يُثني على النجم أبو تريكة ويعتبره نجم كل العصور

GMT 19:44 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

"شانيل" تبتكرُ قلادة لؤلؤية بطول 60 قدمًا

GMT 16:32 2018 الجمعة ,28 أيلول / سبتمبر

كنيسة قديمة تتحول إلى منزل فاخر في جورجيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates