حربٌ قائمة وحربٌ قادمة

حربٌ قائمة وحربٌ قادمة

حربٌ قائمة وحربٌ قادمة

 صوت الإمارات -

حربٌ قائمة وحربٌ قادمة

بقلم :ناصيف حتّي*

بعد شهرٍ من الزَّمن تقريباً، تُكمل الحربُ القائمةُ على جبهتي غزةَ وجنوبِ لبنان عامَها الأولَ. وقد بدأنا نشهدُ مع التَّطوراتِ الحاصلةِ والمتسارعةِ في الضَّفةِ الغربيةِ ملامحَ حربٍ قادمة، ويتَّضحُ أنَّ أهداف إسرائيل تختلفُ بين الحروبِ التي تشنُّها. ثلاثُ جبهات كلٌّ لها ديناميتُها الخاصةُ وأهدافُها المختلفة. حربُ غزةَ ذاتُ أهدافٍ سياسيةٍ أمنيةٍ استراتيجيةٍ صعبةِ التحقيق، إسرائيلُ تريدُ القضاءَ على «حماس» والسيطرةَ الأمنيةَ العسكريةَ المفتوحةَ في الزَّمان على القطاع. ثلاثيةُ استعادةِ الرَّهائنِ، والقضاءُ على «حماس»، وتأمينُ الحدودِ التي يرفعُها نتنياهو كمطالبَ مطلقةٍ، تلاقِي معارضةً من المؤسَّسة العسكريةِ لعدمِ واقعيتِها، والتي من دون التَّمسكِ بها، تسقطُ حكومةُ اليمينِ المتشدد. فالتفاوضُ كما هو واضحٌ منذ اليوم الأول يندرجُ في عمليةِ تقطيعِ الوقتِ من طرف نتنياهو، حتى تحقيقِ أهدافِه الصعبةِ التحقيق.

خلاصةُ الأمرِ أنَّ هذه الجبهةَ ستشهدُ حربَ استنزافٍ مستمرةً تحملُ تصعيداً وتخفيضاً للقتال، وفي أفقٍ زمنيٍّ مفتوح. لا يدركُ أحدٌ بثقةٍ مداه.

جبهةُ جنوبِ لبنان ذاتُ الأهميةِ الأمنيةِ الاستراتيجية تخضع أيضاً لمنطقِ حرب الاستنزاف، فيما تستقر قواعدُ اشتباك، تطورت عن تلك التي كانت ناظمةً للأوضاع من قبل على الصعيدين الجغرافي والناري، ولكنَّها محكومةٌ بمنطق عدمِ الانزلاق إلى حربٍ مفتوحة لا يريدُها أصحابُ استراتيجيةِ وحدةِ الساحات، ولا تستطيع إسرائيلُ القيامَ بها لمخاطرِها في الوقت الراهن. حربُ استنزافٍ تواكبُها عمليةُ بلورةِ تفاهمٍ غيرِ مكتوبٍ عبر الأطرافِ الثالثة لإدارة حربِ الاستنزافِ المفتوحة أيضاً في الزمان والمقيدة، بعد التوسيع الذي حصل، في المكان.

الحربُ القادمة التي تسهمُ حرائقُ الحربين القائمتين في تسخينِ جبهتِها تحمل أهدافاً هوياتيةً أساسيةً وحيوية بالنسبةٍ لإسرائيل. حرب تتعلَّق بـ«قلب الصراع» وتندرجُ في تسريعِ عمليةِ إقامة «إسرائيل الكبرى» من نهرِ الأردن إلى البحرِ الأبيض المتوسط، وهو الهدفُ الاستراتيجي والعقائدي الذي يحظَى بدعمٍ جدِّ واسعٍ ومتزايدٍ في إسرائيل. وهي سياسةٌ لم تجدْ ما يردعُها أو يجعلُها مكلفةً بشكلٍ كبير حتى الآن، أو حتى لإعادةِ التفكيرِ في التخلّي ولو التَّدريجي عنها. تأدية الطقوس التلمودية في باحاتِ المسجدِ الأقصى ووعد بن غفير وزير الأمن القومي بإقامة كنيسٍ في الأقصى يندرجان في هذه السياسةِ، التي تهدّدُ بتديين الصّراع. وهو أمرٌ شديدُ الخطورةِ ويحملُ تداعياتٍ تتعدَّى منطقةَ الصّراع. وللتَّذكير أشرنَا مراراً في الماضي إلى أنَّ الظُّروف كافةً مهيأةٌ موضوعياً بسببِ السياسةِ الاستيطانيةِ الناشطةِ في الضَّفةِ الغربية والقدسِ الشرقية، لحتميةِ حصولِ انفجارٍ كبير (فهناك أكثرُ من 750 ألفَ مستوطنٍ و176 مستوطنةً و186 بؤرةً استيطانية).

وقد بدأت التطورات في شمالِ الضَّفةِ الغربيةِ في منطقةِ جنين وفي جنوبِها في الخليل، تعكس حالةَ الغليانِ وبداية «الحرب القادمة». وهي الحربُ الأخطرُ في أبعادِها وتعقيداتِها وتداعياتِها، بسببِ الأهمية المطلقة التي تحظَى بها لدى إسرائيلَ على مستوى العقيدةِ الحاكمةِ والناظمةِ للسّياسات الإسرائيلية. ما يجري في الضَّفةِ الغربية كرَّس وحدةَ السَّاحةِ الفلسطينيةِ في الحربِ التي بدأت في غزة. ازدياد سياسةِ تهويدِ الديمغرافيا والجغرافيا في الضفة الغربية والقدسِ الشرقية وخلقُ ظروفٍ ضاغطةٍ بغيةَ طردِ أبنائها وازديادُ أعمالِ التعدي على المسجد الأقصى والتَّحريضُ الرسمي على ذلك، كلُّها عناصرُ تشكّلُ الفتيلَ للانفجارِ الكبير... ولا يوجدُ موقفٌ دوليٌّ رادعٌ وضاغطٌ على إسرائيلَ، من طرفِ أصحاب القرارِ والقدرةِ، لوقفِ سياسةِ التهويد المطلق وذاتِ الأبعاد المختلفةِ في الضَّفة الغربية والقدس الشرقية. إضافةً إلى أنَّ الواقعيةَ السياسيةَ ومنعَ حصولِ حريقٍ تتخطَّى شراراتُه، بأشكالٍ مختلفة، جغرافيةَ الحرب القائمة، تفرض الضَّغطَ على إسرائيل لاحترامِ القراراتِ الدولية ذاتِ الصلة. كلُّها عناصرُ تستدعي البدءَ بفرض الوقفِ الكلّي والشاملِ لإطلاق النَّار كشرطٍ أكثرَ من ضروري لمنعِ الانزلاق مع السياسةِ الإسرائيلية الحالية، نحو الحربِ القادمةِ في الضَّفةِ الغربية، التي بدأت إرهاصاتُها بالظهور: حرب كبيرة بأشكالٍ وصيغٍ وعناوينَ ودرجاتٍ مختلفة لن تكونَ في نهايةِ الأمرِ لمصلحة أحدٍ في الإقليم أو خارجه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حربٌ قائمة وحربٌ قادمة حربٌ قائمة وحربٌ قادمة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates