بقلم : طارق الحميد
دائماً ما تحيط السرية بكل مفاوضات، وهناك أطراف تتوثَّب لإعلان الانتصار، كونها أنجحت المفاوضات، وأطراف أخرى تفعل كل ما بوسعها لتجنب الظهور بأنها مَن أفسد تلك المفاوضات، وأياً كانت، إلا بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، فالقصة مختلفة.
في مفاوضات غزة، وبعد أن طرح الرئيس جو بايدن خطة المراحل الثلاث لوقف إطلاق النار، الوضع مختلف تماماً، فبينما كانت الولايات المتحدة تتحدث عن انتظار موافقة نتنياهو، وأعضاء حكومته، ثم انتظار موافقة يحيى السنوار، وموقف الفصائل الفلسطينية المرتبك.
بينما يحدث كل ذلك، خرج المرشد الإيراني علناً متحدثاً عن أن المنطقة كانت في حاجة إلى عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على غلاف غزة، وأنها عملية أوقفت مسار التطبيع بالمنطقة، وبعد ذلك قال المرشد علناً إنَّه لا لوقف إطلاق النار.
قالها المرشد، وما زالت الولايات المتحدة بانتظار رد يحيى السنوار، ونسي المجتمع الدولي التعنُّت الإسرائيلي بقيادة نتنياهو، حتى الرئيس بايدن تراجع عن تصريحه في مجلة «التايم» بأن نتنياهو يطيل أمد الحرب من أجل تحقيق أهداف سياسية.
وفوق هذا وذاك، حقق نتنياهو نصراً «محدوداً» سيمنحه مزيداً من الوقت، وذلك بتحرير 4 من الرهائن الإسرائيليين الموجودين في غزة، ويفترض أن يلقي نتنياهو خطاباً لاحقاً، وبعد كتابة هذا المقال.
وبالتأكيد، سيعلن نتنياهو انتصاراً «محدوداً»، ويذكر العالم بقضية الرهائن الإسرائيليين، وسيشتري مزيداً من الوقت بالداخل الإسرائيلي، وفي الخارج، وستعمل حكومته على إعادة تذكير العالم بقصة الرهائن، وتذكير الإسرائيليين بأنه القائد القادر على استعادتهم.
ومن شأن كل ذلك الآن، وتحديداً قصة تحرير الرهائن الإسرائيليين، إضعاف موقف الداعين لعملية وقف إطلاق النار، ورفع الضغوط الدولية والداخلية عن نتنياهو، والخاسر الأكبر هم العزل الأبرياء في غزة.
ولا يمكن تقديم أي رواية مقنعة حيال ذلك من قبل الفصائل، حيث إن الحقائق تقول إن يحيى السنوار استجاب، وحتى كتابة المقال، لتعليمات المرشد الإيراني الذي قال علناً إنه لا لوقف إطلاق النار في غزة، والتفاوض.
وحتى لو قرر السنوار، الآن، تغيير رأيه والموافقة على وقف إطلاق النار، والقبول بالهدنة والتفاوض، ولو بتقديم تنازلات غير مسبوقة، فإن نتنياهو سيتشدد بعد عملية إطلاق الرهائن، ولن يخشى الرأي العام أو المعارضة الإسرائيلية.
هذه هي الصورة الآن، وهذه هي الحقائق، وهكذا تضيع الفرص من أجل حقن الدماء في منطقتنا، وتحديداً في القضية الفلسطينية، وفي غزة على وجه الخصوص، ووفق رؤية إيران للمنطقة وأمنها واستقرارها، وهذا آخر هم طهران.
ولذلك أقول إننا أمام مفاوضات غير سرية، ومن السهل معرفة الحريص فيها على حقن الدماء، وحماية القضية الفلسطينية وأهلها، وهم العرب وعلى رأسهم السعودية، وبين من لا تكترث لذلك، وهو إيران.
يحدث كل ذلك أمام أعين العالم، وتحديداً الإدارة الأميركية ورئيسها، وكما أسلفت فلا أسرار في هذه المفاوضات، حيث تذكر إيران العالم، وقبله المنطقة، بأنها المعطلة، وأن حساباتها دائماً خاطئة، ولا تحقق إلا مزيداً من الخسائر بالأرواح والمقدرات.