إيران البركان المقيد

إيران: البركان المقيد

إيران: البركان المقيد

 صوت الإمارات -

إيران البركان المقيد

بقلم : أمير طاهري

«العملاق الأبيض المكبل بالسلاسل!»... هكذا يصف بهار، أحد أعظم شعراء إيران المعاصرين، جبل «دماوند»، البركان الشاهق الذي يَلوح في أفق منطقة طهران.في نهاية القصيدة، يناشد بهار البركان أن يضع حداً لصمته الدائم بانفجار مدوٍّ، مزلزل، قاذفاً بالنيران والحمم «لتطهير العالم من الطغيان والفساد».

على مدى الأسبوعين الماضيين، ذكّرت الانتفاضة، التي عمّت أغلب أرجاء إيران، الكثير من الإيرانيين بقصيدة بهار، التي طرحت سؤالاً: هل بدأ البركان ثورانه الأخير؟
اليوم، جبل «دماوند» عبارة عن جيل جديد من الإيرانيين الذين لا يبالون البتة بخطاب الحكومة الإيرانية المبهم، ويفضلون الحياة في العالم الحديث بكل مناقبه ومثالبه، علاوة على نسخة المجتمع الكوري الشمالي الذي يحاول «المرشد الأعلى» علي خامنئي فرضها على إيران.
اندلعت الانتفاضة بسبب موت مهسا أميني، صبية تبلغ من العمر 22 عاماً، في أثناء احتجازها لدى الشرطة بعدما كانت في زيارة عائلية في طهران.
في غضون 24 ساعة من موتها، نتيجة لتعرضها للضرب على أيدي عملاء الأمن، كان اسم مهسا أميني معروفاً لدى جميع الإيرانيين تقريباً، وفي غضون يومين، صارت رمزاً لمقاومة الاستبداد في جميع أنحاء العالم.
بسبب الرقابة والضغوط المفروضة على الصحافيين، بمن فيهم المراسلون الأجانب القلائل المتبقون، من الصعب في إيران قياس مدى ما يبدو أنه انتفاضة وطنية تحمل في جوهرها رسالة قوية: لا يمكننا التحمل أكثر من ذلك!
وحتى وقت كتابة هذا المقال، تلقينا أسماء 84 شخصاً، من بينهم 9 نساء و6 أطفال، قُتلوا على يد جهاز الأمن الإسلامي، في حين تشير الأرقام شبه الرسمية إلى أن عدد الاعتقالات تجاوز 1800 مواطن.
وامتدت الانتفاضة إلى أكثر من 300 بلدة ومدينة، شهد بعضها احتجاجات للمرة الأولى في التاريخ الحديث.
لكن، هل هذا هو الانفجار العظيم الذي توسل به الشاعر بهار إلى جبل «دماوند»؟
على مدى الـ43 عاماً الماضية، أي منذ استولى الملالي على السلطة في طهران، كان البركان الإيراني يدفع بالكثير من الثورانات.
في 8 مارس (آذار) 1979، أي بعد 25 يوماً من ظهور آية الله الخميني بوصفه الحاكم الجديد، احتشد أكثر من نصف مليون امرأة في طهران احتجاجاً على «الحجاب» المفروض عليهن، وغير ذلك من القيود التي أعلنها الملالي.
ورغم القمع الوحشي والإعدامات الجماعية، شهدت إيران خلال الفترة من 1979 إلى 1988 ثورانات أخرى، حيث بدأت طبقات مختلفة من التحالف الذي تَشكّل في عهد الخميني تتلاشى. كما شهدت إيران في تلك السنوات مجازر ارتكبتها قوات النظام الجديد في عدة مناطق، لا سيما في خوزستان وكردستان وتركمان ساهرا.
ومنذ ذلك الحين، شهد البركان الإيراني أكثر من 20 ثوراناً متوسطاً أو كبيراً، وقُمعت جميعها بوحشية.
في بداياته الأولى، وضع نظام الخميني الحفاظ على الذات كهدف أسمى له. وأطلق عليه الخميني اسم «أوجب الواجبات»، مؤكداً أنه لحماية النظام الحاكم يمكن تنحية الإسلام نفسه جانباً.
شرع الملالي في أمرين لحماية النظام:
أولاً، خصصوا جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي لقوات الأمن العسكرية. ويشير أفضل التقديرات إلى أن «حماية النظام» تستحوذ على 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر بأربعة أضعاف من مخصصات التعليم أو الصحة. ويبلغ عدد قوات حماية النظام، باستثناء الجيش الوطني، أكثر من 600 ألف جندي. وينتظم جهاز الأمن الإسلامي في 9 وحدات مختلفة، أربع منها على الأقل مُدربة ومُجهزة لقمع الاحتجاجات في الشوارع.
تستفيد جميع الوحدات الأمنية، بما فيها «الحرس الثوري»، من مزايا عدة، لا سيما الرواتب التي تزيد بنسبة 30 في المائة على الرواتب المماثلة في الجيش الوطني الإيراني.
كما أنها تملك أو تدير أكثر من 8000 شركة في ربوع البلاد، وتتحكم في 25 رصيفاً في 9 موانئ تستطيع من خلالها استيراد أو تصدير ما تشاء من دون القلق من اللوائح الجمركية. كما تسيطر قوات الأمن أيضاً على الكثير من الوظائف المهمة.
في الواقع، على مدى السنوات الخمس الماضية، وفيما يتعلق بشغل الوظائف الكبيرة، تقدموا كثيراً على الملالي. كما تُمنح لهم الأولوية في الوصول إلى الأماكن الجامعية، والسكن، والرعاية الصحية، والسلع الاستهلاكية، والسفر إلى الخارج، والمنح الدراسية لأبنائهم الذين يدرسون في أوروبا أو الولايات المتحدة.
كما أنشأ النظام سلسلة من الكيانات التي تعتمد على سخائه المطلق تحت أسماء مثل «عائلة الشهداء»، أو «المحرومين»، أو «أتباع سلالة الإمام»، أو «قراء النصوص المقدسة» (المداحون باللغة العربية)، أو «المتطوعين بالشهادة».
ينبغي أن يضاف لذلك شبكة من الملالي وطلاب الدين الذين يحصلون على رواتب و-أو «هبات» عرضية (تعرف باسم المظاريف الثقيلة) من «المرشد الأعلى».
وهناك دائرة أمنية أخرى تتكون من عشرات الآلاف من الإيرانيين المغتربين في أوروبا وأميركا الشمالية، والذين ينتقلون ذهاباً وإياباً، يمزجون العمل بالرفاهية، ويعملون كمدافعين عن النظام الإيراني في الخارج، ويُطلق عليهم اسم «المزدوجين» (ذوو الحياتين باللغة العربية).
مدى ضخامة القاعدة الموالية للنظام الحاكم في إيران لا تزال موضع نظر وتكهنات.
في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فاز المرشح المفضل للنظام، آية الله الدكتور إبراهيم رئيسي، بربع أصوات الناخبين المؤهلين. وقدّر الرئيس السابق حسن روحاني أن نحو 30 في المائة من الإيرانيين كانوا سعداء بالنظام ووفّروا قاعدة الدعم الخاصة به.
مهما كان حجم قاعدة دعم النظام، هناك أمر واحد مؤكد، وهو أنها تتقلص؛ إذ خلال الانتفاضة الحالية، وقف عدد غير متوقع من الشخصيات المرتبطة بالنظام والمستفيدة من مفاهيمه، بما في ذلك عدد مذهل من المشاهير والمسؤولين الإسلاميين السابقين، إلى جانب المتظاهرين علناً. فالشعراء الذين كتبوا عبارات الثناء على الخميني أو خامنئي، والروائيون الذين حاولوا تبرير كل خطأ وقع فيه الملالي، أعلنوا «توبتهم» على الملأ.
تختلف الانتفاضة الأخيرة عن الانتفاضة السابقة في عدد من المناحي.
إنها تجري على نطاق أوسع، وتجمع بين الناس من جميع مناحي الحياة. ولا يقتصر هذا النهج على المسائل المتعلقة بالشركات مثل تحسين الأجور وظروف العمل. كما أنها لا تركز على مظالم معينة مثل فقدان المدخرات، أو قمع الطوائف الدينية غير الإسلامية، أو القيود الثقافية. فهذه المرة، تتلخص الدعوة بشبه الإجماع تقريباً إلى تغيير النظام.
لهذا السبب يبدو أن المؤسسة الحاكمة غير قادرة على اتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع الانتفاضة. فقد دعا البعض داخل النظام إلى «القمع الوحشي»، في حين ينصح آخرون بالحوار وإصلاح بعض القوانين.
حتى كتابة هذه السطور، التزم خامنئي -الذي ذرف الدموع على موت «جورج فلويد» في الولايات المتحدة- الصمت المطبق إزاء الثوران الذي هدد نظامه.
حتى إن لم يكن الثوران الأخير هو الثوران الكبير، هناك أمر واحد أكيد: أن بركان الغضب الإيراني لا يزال صاخباً ولا يمكن ترويضه بسهولة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران البركان المقيد إيران البركان المقيد



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates