الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات

الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات

الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات

 صوت الإمارات -

الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات

بقلم : أمير طاهري

«فكِّر مرتين! لا، فكِّر ثلاث مرات قبل أن تضع كلمة على الورق!» هذه كانت نصيحة الشاعر الفارسي العظيم محمد إقبال، ابن الهند، لطلابه في القرن الماضي. وقال: «في استخدام الكلمات، دعْ الحذر يكون دليلك».

وجد هذا الفكر صداه في كتابات العالم اللاهوتي الإيراني سيد كاظم عصّار، الذي كتب: «جلست لأضع القلم على الورق والكلمات تتزاحم، كلمة بعد أخرى، لتحتل مكانها في الوجود. لكن هل أعرف أيها يجب أن أدعها؟ وماذا ستفعل كل منها؟».

ذكَّرتني الرسالة التي نشرها 1001 كاتب من أكثر من 30 دولة، داعين إلى مقاطعة ثقافية لإسرائيل تضامناً مع «القضية الفلسطينية»، بنصيحة الشاعر إقبال «الحذر» و«الحدث غير المتوقع» الذي أشار إليه عصّار، وقلق كيركغارد. بعد أن تخلوا عن كل الحذر الممكن، اتخذ الكتاب الموقِّعون المحترمون أربع خطوات على الأقل لا يتوقع المرء أن يفعلها أناس من الأدباء.

الخطوة الأولى هي إطلاق مسمى اللوم الشديد على الناشرين، ونوادي الكتب، والجمعيات الثقافية، ومهرجانات الفنون، ومئات أو ربما آلاف الكُتّاب، والشعراء، والمؤلفين، والمخرجين السينمائيين، والممثلين والمؤلفين المسرحيين، والرسامين، وغيرهم من الفنانين المرتبطين بهم لمجرد أنهم إسرائيليون.

ذهبت سالي روني، الروائية الآيرلندية التي وقَّعت على الرسالة، إلى أبعد من ذلك بقولها إنها لن تسمح بترجمة رواياتها إلى العبرية. وفسرت آني إرنو، الفائزة الفرنسية بجائزة نوبل للآداب، وهي أيضاً من الموقِّعين، خطوتها بوصفها معارضة «للمؤسسات التي لم تعترف قط بالحقوق التي لا جدال فيها للشعب الفلسطيني» من دون توضيح ماهية هذه الحقوق، ولماذا لا جدال فيها؟

الخطوة الثانية غير المتوقَّعة من الأدباء، حتى بما في ذلك النخبة اللامعة منهم، هي الدعوة إلى فرض الرقابة الشاملة بناءً على الذنب بالتبعية.

بمعنى آخر، إذا كنا لا نتفق مع ما تفعله الحكومة الإسرائيلية، فلدينا الحق، بل الواجب، في محاولة إقصاء الشعراء والكُتّاب والفنانين الإسرائيليين عن السوق العالمية. هذا الأمر أكثر إثارةً للدهشة بصفة خاصة، لأن أغلب الموقعين على الرسالة هم من «العالم الغربي» حيث يعد رفض الذنب بالتبعية مبدأ أساسياً من مبادئ القانون.

ثالثاً، يمنح الكاتب دائماً حتى الشخصية التي يُبغضها بشدة فرصة لطرح وجهة نظرها قبل أن يُصدر حكمه النهائي بالإقصاء.

وأخيراً، لا ينبغي على الكاتب أن يرمي بكلماته الأخرى على نحو غير مبالٍ كما يفعل بعض الساسة. كلمات مثل «الإبادة الجماعية» و«الفصل العنصري» هي قنابل يدوية كلامية. حقيقة أن بعض الإسرائيليين يطلقون على هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مسمى «الإبادة الجماعية» أو «المحرقة» الجديدة ضد اليهود لا تشكل رداً ينسحب وصفه على جميع الإسرائيليين.

أما بالنسبة إلى «الفصل العنصري»، فقد بنت إسرائيل جدراناً لضمان الفصل المادي عن أعدائها المعلنين. لكنَّ بناء الجدران، الذي تباشره الآن الولايات المتحدة، وتركيا، وإيران، وهنغاريا، وبولندا، وإستونيا، لا يرقى إلى مستوى نظام الفصل العنصري. على أي حال، بينما بنى الإسرائيليون الجدران لإبعاد «حماس»، بنت «حماس» الأنفاق لزيارتهم!

بعبارة أخرى، لا يمكن للكاتب، أو لا ينبغي له، أن يتنازل إلى درجة آيديولوجية دنيّة، ناهيكم بالدعاية الرخيصة، حتى من أجل «أكثر القضايا نبلاً وسمواً».

قد تكون القضية الفلسطينية نبيلة. لذا، بصفتك كاتباً، أظهِرْ لنا ماهية القضية ولماذا هي كذلك. الكاتب ليس آلة للتسمية والتصنيف أو جهاز لإرسال إشارات الفضيلة.

في الستينات، كنا طلاباً نشطاء في لندن وباريس، وفي مناسبات عدة سعينا للحصول على توقيعات المفكرين الفرنسيين المعاصرين آنذاك لعرائضنا الشبابية بشأن مجموعة من «الأسباب النبيلة» الرائجة وقتذاك. وكان جان بول سارتر دائماً ما يوقِّع حتى من دون قراءة التماساتنا. كان يكفيه أننا نكافح من أجل «قضية نبيلة». من ناحية أخرى، رفضَنا رايموند آرون، وكان يطالبنا بأن نفهم «القضية» بصورتها الصحيحة قبل أن نطلب منه التوقيع على شيء.

قلة من الموقعين الـ1001 على الرسالة المذكورة لديهم خبرة مباشرة في مشاهدة المأساة الفلسطينية. ومن بين هؤلاء الكاتبة الأميركية من أصل أفريقي، أليس ووكر، التي تقول إنها زارت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتأثرت بها. ولكنها، مثلها في ذلك مثل زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيريمي كوربين، كانت مروِّجة أخرى لـ«القضية»، وزارت غزة قبل هجوم السابع من أكتوبر، وكانت حريصة على الحديث عن الكيفية التي يبني بها اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات اقتصادهم ويخلقون المجال الثقافي. ومع ذلك، لم تتساءل ووكر ولا كوربين: لماذا لا يزال كثير من الفلسطينيين في غزة يعيشون في مخيمات اللاجئين رغم أن «حماس» حكمت غزة لأكثر من عقد بعد الانسحاب الإسرائيلي؟

وعلى نطاق أوسع، لم يتساءلا هم والكُتّاب الـ1001 أبداً: لماذا استوعب العالم، منذ الحرب العالمية الثانية، ملايين اللاجئين من أكثر من 40 دولة، في حين أبقى 4 أجيال من الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين، وبالتالي اختلاق حق اللجوء بوصفه مهنة وراثية؟ كما أنهم لم يتساءلوا: لماذا استقر الملايين من الفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم ولكن ليس في غزة والضفة الغربية وأربع دول عربية؟

إن دعاة الفضيلة لا يقدمون أي خدمة للفلسطينيين من خلال استغلال معاناتهم، التي لا جدال فيها، للتنفيس عن مشاعر الكراهية التاريخية والثقافية والدينية الزائفة. وإذا كانوا صادقين في دعم الفلسطينيين، فيجب عليهم الدعوة إلى تحويل «قضية» تعني، في نسخة «حماس»، إبادة إسرائيل -وهي قضية لم تُنتج سوى الحزن على مدى ثمانية عقود- إلى «مشروع» لتشكيل مستقبل أفضل للفلسطينيين خارج مخيمات اللاجئين الأبدية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات



GMT 19:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تحت البحر

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

انتصرنا

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكر السياسي سيرورات لا مجرّد نقائض

GMT 19:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

«إنت بتفهم في السياسة أكتر من الخواجه؟!»

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس ترمب؟!

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة العشرين وقمة اللاحسم

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لو أنه أنصف لبنان

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مأساوية الحرب وأفكار النهايات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates