الشرق الأوسط لا تطرح سؤالك

الشرق الأوسط: لا تطرح سؤالك

الشرق الأوسط: لا تطرح سؤالك

 صوت الإمارات -

الشرق الأوسط لا تطرح سؤالك

بقلم : أمير طاهري

في «التعامل» مع الشرق الأوسط يحتاج المرء إلى السعي لتسويات أولاً مع أكثر من 20 دولة، وأخيراً في إبرام الاتفاقيات الشاملة المتعددة الأطراف.

في الوقت الذي تستعر فيه حرب غزة في شهرها الرابع، يُشكل صناع القرار السياسي وأصحاب الفكر في الغرب جوقة تطالب بما يتعين علينا فعله بشأن الشرق الأوسط! قد تكون أفضل إجابة قصيرة هي كلمة يابانية «mu» التي تعني: «لا تطرح سؤالك». فالكلمة تُستعمل عندما يكون السؤال معيباً، وأي جواب يُعطى يمكن أن يُغرق المناقشة بأسرها في حالة من سوء الفهم العميق.

والسؤال هنا معيب لأسباب عديدة:

أولاً، اختزال الواقع الجيوسياسي والاقتصادي والثقافي والإنساني إلى مصطلح جغرافي غير محدد، وهو (الشرق الأوسط) الذي لديه العديد من المتغيرات الأخرى: الشرق الأدنى، وبلاد الشام، ومنطقة الشرق الأوسط الكبير، وهلال الأزمات، وما إلى ذلك.

بعد ذلك، يعمل على تحويل ما يقدر بنحو 600 مليون شخص يعيشون في أكثر من عشرين دولة إلى مجرد أشياء في قصتهم الخاصة، والأمر متروك للغرباء لاتخاذ القرار بشأن ما ينبغي عليهم أن يفعلوا حيالها. والأسوأ من ذلك هو الافتراض بأن جميع الدول التي يشملها هذا المصطلح تعيش في نفس الإطار الزمني الاجتماعي والسياسي التاريخي. مقاربة النهج الواحد المناسب للجميع لا ترى فرقاً بين اليمن، على سبيل المثال، في أحد طرفي الطيف، والمغرب على الطرف الآخر.

إن أسلوب «ماذا يجب أن نفعل حيالهم» هو من بقايا الحقبة الاستعمارية، عندما كانت الإمبراطوريات الأوروبية تعتبر الدول الخاضعة لسلطانها مجرد بيادق في لعبة شطرنج عالمية. واستمر هذا النهج في الرواج خلال المراحل الأولى من تطور ما بعد الاستعمار وحتى الحرب الباردة. ولا يزال يبدو مفيداً؛ لأن معظم الدول المعنية كانت محكومة بنخب ضيقة الأفق إلى حد ما، وتدين بجزء كبير من شرعيتها وسلطتها إلى الرعاة من سادة الاستعمار السابقين أو الوافدين الجدد إلى لعبة القوة العالمية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

إن التغيرات الهائلة التي شهدتها المنطقة خلال العقود القليلة الماضية قد غيرت بصورة جذرية الأوضاع في جميع الدول المعنية. فقد اندفع البعض إلى الأمام بسرعة لم يتصورها حتى أكثر المراقبين المتمرسين. وأُجبر آخرون على الوقوع في مسارات متعرجة وعقيمة تؤدي إلى الانحطاط والخراب.

في جميع بلدان المنطقة تقريباً، دخل إلى الساحة لاعب جديد: القوة الشعبية التي، رغم النكسات، أظهرت قدرتها البناءة والمدمرة على حد سواء، خلال العاصفة المفاجئة التي أطلق عليها اسم «الربيع العربي». ربما دُفع بالمارد إلى القمقم مرة أخرى، في بعض الحالات لأسباب وجيهة، ولكن بفضل ثورة المعلومات العالمية، تحتفظ القوة الشعبية بالقدرة على الارتداد إلى مركز الصدارة مرة أخرى.

وفي بعض الدول، تولى جيل جديد ويافع من النخب الحاكمة، وهو جيل أصغر سناً، برنامج إصلاح طموحاً يمكن أن يؤدي إلى تحولات يمكن، رغم ترحيبنا بها، أن تترك معظم السكان في الخلفية من حيث الآمال في التغيير والخوف منه.

يُمثل الشرق الأوسط اليوم واقعاً أكثر تعقيداً بكثير، ولم يعد من الممكن اقتصاره على النفط، والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، والتنافس المذهبي، والإرهاب، وصدام القوميات غير الناضجة.

ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أننا لا بد أن ندرك أن المنطقة التي أسست الإمبراطوريات الأولى باعتبارها النموذج الأفضل لتنظيم المجتمعات البشرية تبنت أخيراً نموذج ويستفاليا للدول القومية بوصفه الوسيلة الأفضل لإعادة تعريف نفسها.

وعليه، يجب على أولئك الذين يقولون: «ما الذي يجب أن نفعله حيال الشرق الأوسط؟» أن يدركوا أنهم لا يتعاملون مع كيان أحادي، وإنما كيان جيوسياسي وثقافي يتكون من أكثر من 20 دولة قومية ذات طموحات ومصالح مختلفة ومتناقضة في بعض الأحيان. بعبارة أخرى، ما قد ينجح في عُمان لن ينجح بالضرورة في الجزائر، وكيف يمكن أن يكون التعامل مع إيران مماثلاً للتعامل مع الجمهوريات الإسلامية في باكستان أو موريتانيا.

إن التعامل مع قضية الشرق الأوسط اليوم ليس بالسهولة التي كان عليها حتى قبل عقد من الزمان، ناهيكم عن قرن مضى، عندما كان إرسال زورق حربي وتزيين بعض الشوارب قد يفيان بالغرض. اليوم، أصبحت القوة الناعمة أكثر فاعلية من القوة الصارمة، لا سيما حين يفتقر هؤلاء الذين يملكون الكثير منها للشجاعة الكافية لاستخدام ملء ملعقة منها في أي وقت معين، بينما أولئك الذين يملكون القليل للغاية منها يميلون لنزعة انتحارية هدامة عند استخدامها برمتها.

من أجل «التعامل» مع الشرق الأوسط، يحتاج المرء إلى نبذ الدروس القديمة، والإقلال من الكلام، والإكثار من الإصغاء، والابتعاد عن الأخطاء، وتقديم التنازلات، والسعي إلى التسويات أولاً مع أكثر من 20 دولة، وأخيراً في إبرام الاتفاقيات الشاملة المتعددة الأطراف.

كلا، الأمر ليس سهلاً كما كان في الأيام الخوالي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط لا تطرح سؤالك الشرق الأوسط لا تطرح سؤالك



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة - صوت الإمارات
احتفلت الملكة أحلام قبيل ليلة عيد الحب بعيد ميلادها في أجواء من الفخامة التي تعكس عشقها للمجوهرات الفاخرة، باحتفال رومانسي مع زوجها مبارك الهاجري، ولفتت الأنظار كعادتها باطلالاتها اللامعة، التي اتسمت بنفس الطابع الفاخر الذي عودتها عليه، بنكهة تراثية ومحتشمة، دون أن تترك بصمتها المعاصرة، لتتوهج كعادتها بتنسيق استثنائي لم يفشل في حصد الإعجاب، ومع اقتراب شهر رمضان المبارك دعونا نفتش معا في خزانة المطربة العاشقة للأناقة الملكية أحلام، لنستلهم من إطلالاتها الوقورة ما يناسب الأجواء الرمضانية، تزامنا مع احتفالها بعيد ميلادها الـ57. أحلام تتألق بإطلالة لامعة في عيد ميلادها تباهت الملكة أحلام في سهرة عيد ميلادها التي تسبق عيد الحب باحتفال رومانسي يوحي بالفخامة برفقة زوجها مبارك الهاجري، وظهرت أحلام بأناقتها المعتادة في ذلك ا...المزيد

GMT 11:07 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تستعد للإعلان عن عمل تلفزيوني جديد

GMT 14:30 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

لماذا يكذب الزيات؟

GMT 05:16 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

"موانئ دبي" تتوسع في العين السخنة

GMT 06:53 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

طريقة عمل مكعبات اللحم بتتبيلة الخضروات

GMT 11:36 2018 الأحد ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الخضري يكشف عن إيقاف الاحتلال لعجلة الإنتاج في غزة

GMT 22:38 2015 الأحد ,04 كانون الثاني / يناير

جامعة سلمان تدشن الخدمة الإلكترونية لطلب الدراسة

GMT 08:47 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

سعر الدرهم الإماراتي مقابل درهم مغربي الثلاثاء

GMT 02:17 2013 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الملايين يزورون الموقع الألماني للأعمال الفنية المسروقة

GMT 18:21 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

الشيخ محمد بن راشد يتسلم كتاب رؤى فلسفية في الحكم والفروسية

GMT 01:02 2013 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

"آبل" تضيف فئة الألعاب إلى نسخة قطر من متجر “آب ستور”

GMT 16:30 2014 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

قراصنة يهاجمون النِّظام الأمني لـ"لينكد إن"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates