سوريا بين الاستقرار والفوضى

سوريا بين الاستقرار والفوضى

سوريا بين الاستقرار والفوضى

 صوت الإمارات -

سوريا بين الاستقرار والفوضى

بقلم : أمل عبد العزيز الهزاني

ما نراه في سوريا اليوم من سقوط مدوٍّ للنظام، وخروج الناس إلى الشارع بهتافات الفرح، هو مشهد تأخر 14 عاماً عمَّا حصل في تونس وليبيا واليمن ومصر.

كان النظام ليسقط من حينها لو تقطعت أذرعه التي تحميه، وهو ما حصل اليوم نتيجة للحروب القائمة؛ في غزة، ولبنان، وأوكرانيا... الحروب التي ألقت بظلالها بشكل مباشر على سوريا. مع ضربات إسرائيل المتلاحقة على «حزب الله» وقياداته ومستودعات ذخيرته، وتركيز القوة العسكرية الروسية على حربها ضد أوكرانيا، انتهت فرص بشار الأسد في الصمود، فسقط خلال أيام.

من حُسن حظ السوريين أن العالم امتلأ بالتعاطف تجاههم طوال هذه الأعوام، المجتمع الدولي يُبدي كثيراً من الاهتمام بالوضع السوري الراهن، والدول العربية سارعت بإعلان موقفها بالدعم والمساندة. الكل مبادر لضمان استقرار «ما بعد الصدمة» حتى لا تتكرر مآسي الدول التي سبقتها وتعم الفوضى ومظاهر عدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي كما نراه اليوم.

بشار الأسد الذي فرَّ بطائرة إلى موسكو، استنفد كل الفرص التي قُدمت له، ليس فقط حبل النجاة الذي رمت به إيران وروسيا، بل الأهم الموقف العربي الذي ظل يحاول حتى أسابيع ماضية، لإنجاح مساعي المفاهمات معه في حماية سيادة بلاده من الوجود الأجنبي، وحثّه على لملمة الشتات، وحث الناس على العودة، والكفّ عن تهديد أمن المنطقة بشحنات الكبتاغون التي يُصدرها. مدَّت الجامعة العربية يدها له في محاولة أخيرة كلها رجاء، لكنه فشل في الالتزام بوعوده للعرب كونه لا يملك من أمره شيئاً. انزوى في قصره وهو يرى سوريا مقسمة إلى مقاطعات محكومة من أجانب كل منهم خادم لأهدافه.

سوريا اليوم حرة، لكنها خطيرة. سيناريوهات مخيفة متعددة قد تحصل ما لم يكن السوريون أنفسهم مدركين لخطورة المرحلة، وواعين أن عدوهم الأول هو التدخل الأجنبي، أي تدخل كان، سواء سياسي أو بالمال أو السلاح، خارج إطار الحكومة، أو هيئة التفاوض في الوقت الحالي.

عدوهم الثاني هو الخلاف بين بعضهم وبعض، مرجع الخلاف محاولة الأطراف التي شاركت في إسقاط النظام الحصول على النصيب الأكبر من الغنيمة.

الأطراف الأقوى التي ستتصدر المشهد هي «جبهة تحرير الشام»، وجيش «سوريا الحرة»، المدعوم من الولايات المتحدة، و«المعارضة السورية» المدعومة من تركيا، إضافةً إلى الأكراد، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

«جبهة تحرير الشام»، المسلحة والمدربة، يتزعمها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، الذي خطب في المسجد الأموي في دمشق خطاباً يحمل رؤيته للمستقبل بلغة متزنة، لم يُظهر فيها أدبيات الفصائل المتطرفة التي تنبذ الآخر وتلعن وتدحر، وترى وحدانية الحكم لنفسها.

والحقيقة أن «جبهة تحرير الشام» لديها فرصة تاريخية لن تتكرر، بتقديم نفسها فصيلاً وطنياً أسهم مساهمة كبيرة بإسقاط النظام لكن ينتهي دورها العسكري عند هذه النقطة. إنها فرصة الجبهة، والشرع بشكل شخصي، أن يخلع جلباب الخطاب الإسلاموي المتعصب، ويقدم نفسه شريكاً سياسياً في بناء سوريا الحديثة. هذه الفرصة تشبه ما توفر لحركة «طالبان» في 2021 بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وآل إليها حكم البلاد. لكنَّ «طالبان» فشلت في الإدارة المدنية، وعادت أفغانستان مملوءة بالفوضى والتخلف والسلاح كما كانت قبل 40 عاماً.

الطريق أمام أحمد الشرع واضح، وهو مَن سيقرر أن يكون عدواً أو شريكاً. حتى مع التصريحات الأميركية ضده وضد الجبهة، لو قدم خطوة للأمام سيراجع الجميع موقفهم منه بما فيهم واشنطن.

الطرف الآخر هو القوات الكردية «قسد»، وكان دورها فاعلاً في الشمال حيث مواقعها وأهدافها الاستراتيجية، وكانت ولا تزال الرقيب على نشاط «داعش» في شرق سوريا بخاصة في الرقة التي انتشرت فيها في الأيام الأخيرة، وهي كذلك لها دور مرحلي كبير، واندماجها في الشراكة الوطنية سيحميها ويحقق أهدافها بالاستقرار في جغرافيتها التي تقاتل من أجلها، كونها جزءاً من النسيج الوطني، وربما سيأتي اليوم الذي يكون للكرد فيه حكمهم الذاتي كما في العراق.

سوريا اليوم بحاجة إلى المجتمع الدولي، لكن حاجتها إلى الدول العربية أكبر، في لمّ شمل السوريين، وضبط التطفل الأجنبي، من دون تدخل مباشر في قرارهم الذاتي أو الابتزاز بالمال والسلاح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا بين الاستقرار والفوضى سوريا بين الاستقرار والفوضى



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates