أم عبد الله والوزير

أم عبد الله والوزير

أم عبد الله والوزير

 صوت الإمارات -

أم عبد الله والوزير

بقلم : أمل عبد العزيز الهزاني

في مدينة أبها السعودية، حيث تصل درجة حرارة الصيف في أقصاها 25 درجة مئوية، مع أمطار صيفية هتّانة، توجّه وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب ضمن جولاته في مناطق السياحة الصيفية في المملكة. والخطيب معروف بسمات حفظتها له بعض لقطات تصوير الشارع؛ فهو لطيفٌ ودودُ المظهر، لكنَّه عند من يعرفه حازم في سياسات وزارته، ومواقفه تجاه عمله. جلس في إحدى حدائق أبها صفاً هو وفريقه المرافق، وأمامهم سيدة سعودية اسمها أم عبد الله، تبدو في العقد السادس من عمرها، ترتدي العباءة السوداء والنقاب، وتعرفنا عليها بأنها فنانة في الرسم، ولديها مرسم، لكنه مرسم فريد من نوعه، حيث امتهنت النقوش الشعبية التي تمثل الفن الأبهاوي الجميل. بادرها الوزير بمجاملة بأنَّه لا يعرف الرسم، ويريد أن يتعلم إن سمحت بتعليمه. السيدة الكريمة بكل ما فيها من شخصية المرأة القوية والواثقة وافقت على أن تمنحه فرصة دخول مرسمها وتعليمه درساً، لكنها حذرته مازحة بعبارة محلية معناها: «أعطيك درساً في الرسم، لكن حتى وإن كنت وزير، حذارِ أن تُخطئ».

ذهب الجميع إلى المرسم الذي كان متحفاً أيضاً، ويعكس الهوية الجنوبية ببهاء لوحاته وألوانه. جلس الوزير «التلميذ» إلى طاولة الدراسة، وبدأت تشرح له طريقة تلوين تصميم هندسي، مع إعطائه فرصة اختيار الألوان. تناول فرشاة التلوين، وبدأ الوزير بحذر شديد تلوين تجاويف التصميم وهو يكرر بصوت مسموع أن هذا العمل «تحدٍّ له». حينما انتهى نادى أم عبد الله لتقيّم عمله، وطلب منها ألا تجامله في رأيها، فتحدثت بلهجة جنوبية جميلة تعني: «أنت واثق من نجاحك وإلا ما كنت جئت».

انتهى الموقف، وهو بسيط جداً. لكن ممكن أن نقرأ من خلاله أكثر من عنوان. الأول، هو المشهد المتكرر لأعضاء الكابينة الوزارية السعودية في قطاع الخدمات خلال جولاتهم في مناطق اختصاصهم؛ وزير الصحة بين المرضى، وزير الحج مع الحجاج، وزير النقل بين عمال النقل اللوجيستي، وزير السياحة يتجوَّل منسجماً بين الناس في المشاريع السياحية. حالة أشبه بسباق بين الوزارات؛ من يقدم خدمته بمستوى أفضل؟ هذا الماراثون، الكل فيه فائز حتى من يجتازه متأخراً، لأنَّ قوانين اللعبة وطول السباق لا يحتملان سوى أصحاب النفس الطويل، أصحاب النفس القصير يتعثرون باكراً.

الصورة الثانية غير المسبوقة هي هذا الحديث العفوي بين رجل وسيدة منقبة اجتمعت معه أولاً، ثم استضافته ورفاقه بكل أريحية في مرسمها، والذي جعلته مفتوحاً لكل الناس من داخل أبها وخارجها.

هذا المشهد كان يحتمل كثيراً من المحظورات في زمن سابق، فلا المنقبة لديها فرصة للتعامل مع الرجال، والتعبير عن نفسها، وتقديم مواهبها، ولا الرجل نفسه لديه استعداد لمغامرة التواصل العام مع امرأة. محظورات لا أساس شرعياً ولا نظامياً لها، لكنها بالتأكيد حرمت كثير من الفتيات والسيدات من التواصل الطبيعي مع أفراد المجتمع، تحت غطاء الممنوع والترويع من الفتن التي ستفتك باستقرار المجتمع إن خرجت واختلطت بالرجال، وهذا الحرمان كان سبباً في تفويتها فرص التعلم والعمل والتطوير الذاتي وحياة أفضل. حتى جاءت «رؤية المملكة 2030»، حاملة معها عبارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: «هناك حقوق للنساء في الإسلام لم يحصلن عليها بعد». تغير بعدها كل شيء في طريق الأفضل والأنفع والأجدر.

الصورة الثالثة لموقف أم عبد الله والوزير، هي هذا المرسم الجميل الذي يعكس ثقافة منطقة عسير، وهي ثقافة غنية جداً بهندستها وأزيائها وقصائدها وألحانها وكل أنواع الفنون. المملكة العربية السعودية مقسمة إدارياً إلى 13 منطقة، لكنها فعلياً مقسمة إلى عدد لا نعلمه حتى الآن من الثقافات الفنية المتنوعة. وزارة الثقافة جهودها عظيمة لأنها تقريباً بدأت هذا العمل الكبير من الصفر، لكني أعتقد، ربما لأني أنتمي إلى منطقة نجد من جهة والدي، ومن المنطقة الجنوبية من جهة والدتي، وهاتان ثقافتان متمايزتان كثيراً، أرى أنه مهما بذلت وزارة الثقافة من جهود فلن تستطيع حصر وتوثيق كل الجوانب الفنية واللسانية في مناطق المملكة. في السعودية لدينا لهجات وألحان في مخارج الحروف يتجاوز ما هو معروف في المملكة المتحدة، والمحصورة لديهم بعشر لهجات. في منطقة الباحة جنوب السعودية مثلاً، القرى المتجاورة تختلف لهجاتها ولونها الغنائي عن بعضها. أمر لا تجده كثيراً في العالم.

هذا المخزون الهائل من التنوع الثقافي لا تستطيع 20 وزارة ثقافة حصره وتسجيله بوصفه منتجاً وطنياً إلا بمشاركة أهل كل منطقة ومدينة وقرية. وهذه مسؤولية أهل هذه المناطق وليست الوزارة. كل منطقة تأخذ من أدبائها ومثقفيها وثيقة وطنية شاملة لكل موروثها، ومن ثم تقدمه لوزارة الثقافة لتسجيله وتوثيقه؛ لأن الصحيح أننا كلنا شركاء أم عبد الله في التسويق لفنوننا، وتقديمها للآخرين، المحليين والأجانب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أم عبد الله والوزير أم عبد الله والوزير



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates